هو وهي
أخر الموضوعات

العلاقات الزوجية .. ما بين التقدير واللاتقدير والاستمرارية

المتزوجون: كلاً منا يُقدر تعب ومجهودات الآخر .. وأساتذة علم النفس و الاجتماع: التقدير هو مايجعلنا نحافظ علي استمرارية العلاقة

تحقيق: أية رجب

يعد عنصر التقدير في كل العلاقات من أهم العناصر المساعدة على الاستمرارية خاصةً في العلاقات الزوجية, فعلي الزوجين تقدير و احترام لكلاهما ولكل ما يقوموا به, وذلك لتصبح حياتهم الأسرية كاملة ويستطيعوا إنشاء أفراد جديدة مبنية علي الاحترام و التقدير بين أفراد الأسرة، لذا يشترط علينا أن ندرك مدي أهمية التقدير حتي يكون الجهد المبذول بين الأطراف بالرضا وليس بالغصب أو بالاكراه.

في البداية تقول “إيمان عبد المنعم”, البالغة من العمر 26 عاماً, والمتزوجة منذ عام ونصف,عن المسؤولية بينها وبين زوجها قائلة:” كل منًا يقوم بما يستطيع فعله لكي تستمر الحياة بشكل يناسبنا نحن الإثنين و يناسب ظروفنا, ومع وجود التقدير كل طرف بيقوم بدوره برضا وحب وهذا لابد أن يظهر للطرف الآخر, فعندما يراني مشغولة بقيام واجباتي ما بين المنزل و المطبخ و ابنتنا, لايحاول هو الضغط عليا بل يحاول أن يخفف عليا و يقدم بعض المساعدات بأشكال مختلفة, فيقوم معي بتحضير السفرة أحيانًا أو يحمل طفلتنا لبعض الوقت أثناء انشغالي بشئ آخر؛ وعن تقديرنا لبعض فإنه يحدث بالعديد من الأشكال فهو عندما يشعر بأنني مضغوطة يطلب “ديليفري” للتخفيف عني ويقوم بتحضير سهرة مميزة لمشاهدة فيلم في المنزل لكي يقدرني و يخرجني من الضغوط اليومية”.

إيمان عبد المنعم و زوجها و ابنتها

أما “محمد أحمد عبدالسلام”, البالغ من العمر 28 عاماً, ومتزوج منذ ثلاثة أشهر، يُحدثنا عن علاقته بزوجته قائلاً: “أن المجهود المبذول بيني وبين زوجتي متكافئ، فكل طرف يقدر مجهود الآخر فالحياة لن تكن سهلة إلا إذا تواجد التقدير بين الطرفين, لأنه أهم شيء مع الحب والتفاهم، والحياة الزوجية تقوم علي كتف الطرفين وكل واحد منهما يكون مدرك بمسئولياته وواجباته ويحاول أن يقوم بها بأفضل شكل لإرضاء الطرف الأخر، و أي خلاف لابد أن يكون فيه نقاش للوصول لحل يرضينا نحن الإثنين”.

وأضاف “عبدالسلام” قائلًا: “أثناء تجهيزات بيتنا قبل الزواج كانت هي من تهتم بكل التفاصيل للشقة، وكانت تأتي من منزل والدها الذي يبعد كثيراً عن شقتنا لكي تتواجد أثناء التجهيزات، وكنت أشاركها وأقدم المساعدات والآراء لكنها هي من تعبت أكثر وكان لها مجهود جبار لإظهار بيتنا بالشكل الذي نريده، كما كنت أحاول تقديم المكافأت كنوع من أنواع التقدير وهي أيضًا لتجديد الشعور الدائم بالحب بيننا، وغالبًا ما تقوم بتخفيف ضغط الشغل بالحديث والفضفضة فهي تشاركني شغلي وتساعدني وأحيانًا نخرج في مكان ما لتغير الجو, أو تقوم بتحضير أكلة لذيذة, أو نشاهد فيلم أو مسلسل معاً”.

محمد عبد السلام و زوجته

 “توقفت عن العمل تقديراً لزوجي و لتربية ابنتي” .. هذا ما قالته “نهى سليمان” البالغة من العمر29 عاماً, والمتزوجة منذ خمس سنوات, حيث تقول:”توقفت عن العمل بسبب ظروف البيت وتربية ابنتي، ولكي أكون واقعية وصادقة فأنا و زوجي نقوم بنفس المجهود لكي نحمي بيتنا وتستمر أسرتنا، ولكن بالطبع الزوجة هي من تتحمل أعباء أكثر من الرجل, لأن لديها طاقة و صبر و تحمل أكثر منه وبالتالي فإن الزوجة هي التي يكون لديها طاقة أكبر لاستمرارية العلاقة الزوجية أكتر من الرجل، وعلي الزوجة تقدير مجهود زوجها أيضا خارج المنزل خاصة في ظل الظروف المادية التي يتعرض لها الجميع بسبب جائحة كورونا, فأحيانا يرفض أن يشتري لنفسه شئ ما توفيراً لطلبات المنزل و مستلزماته, ولأني أقدر مجهوداته هو أيضا يقدر تعبي بالمنزل و تربية ابنتي خاصة ان التعب داخل المنزل لا يقل عن تعب الرجل خارج المنزل”.

وتضيف “نهي” قائلة: “من وجه نظري أن تعب الزوجة داخل المنزل أصعب من تعب الزوج, بسبب الحمل و طلبات المنزل التي لا تنتهي و هي ما تتحمل كافة الأعباء للتخفيف عن الرجل, لذلك هي قد تضحي بمستقبلها حفاظاً علي بيتها و أسرتها, وعلي الرغم من ذلك إلا أنه دائماَ يحاول أن يريحني إذا كنت مظغوطة في عزومة ما أو مريضة فيقوم بشراء أكل من خارج المنزل لراحتي, فالعلاقة الزوجية لكي تستمر لابد ألا يضحي أحدا أكثر من الآخر فالإثنين يكونوا بنفس النسبة”.

ويري “محمود مؤمن”, البالغ من العمر 28 عاماً, ومتزوج منذ عامين وزوجته أيضًا تعمل ولديه طفل: “أري بأن زوجتي هي من تقوم بمجهود أكبر لأنها تعمل و تراعي المنزل و ابنها أما أنا فمجهودي يكون خارج المنزل, ولكن مقدار مجهودها وتعبها أكبر وهذا ما يجعلني أحبها أكثر وأقدرها فأنا أرى مجهودها وتعبها بعيني، فهي أيضًا تقدر تعبي ومجهودي ويظهر ذلك في أفعالها فالفعل أقوى من الكلام، وأحاول كنوع من أنواع التقدير أجعلها تستريح خاصة بعد تعبها في يوم كامل و شاق من توضيب المنزل علي سبيل المثال, أقوم حينها بإحضار وجبة عشاء من المطعم المفضل لديها وتقديم المساعدات لكنها تحب أن تفعل كل شئ بنفسها، أما عن ضغط العمل الذي قد أمر به تحاول هي مناقشتي والاستماع للمشاكل ومساعدتي في إيجاد الحلول وتقديم الأفكار للخروج من هذه المشاكل, كما تحاول التخفيف عني من خلال مشاهدة التلفاز فهي تعلم حبي لمشاهدة التلفاز”.

محمود مؤمن

ومن جهة آخري, يقول الدكتور”الفنجري غلاب”, نائب مدير مركز الحداثة للدراسات الاجتماعية والتنموية ومدرس علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الوادي الجديد بأن الحياة الزوجية في المقام الأول تقوم على المودة والرحمة وتقدير كل طرف من أطراف العلاقة الزوجية إلى الآخر، والتقدير يبدأ من عبارات الثناء والشكر حتى على أبسط الأشياء الذي يفعلها الأخر وهذا التقدير يجعل الشخص الأخر بارتياح نفسي مهما كانت الضغوط التي يتحملها، فلو أن هناك تقدير من الطرف الأخر واعتراف بما يفعله الشريك ينسى الطرف الأخر التعب والمجهود الذي يبذله طوال اليوم, مضيفاً بأنه لابد أن يستمر تقدير الطرف الاخر حتى يتعدى عبارات الثناء والشكر و يظهر ذلك في نظرات الشخص إلى شريك حياته بالفخر والإعتزاز به وإظهار ذلك أمام الآخرين سواء الأهل أو الأصدقاء.

و أوضح “الفنجري” بأن عدم التقدير لمجهودات الأخر كأنه يقول الزوج لزوجته بعد يوم شاق من التعب والإرهاق في الأعمال المنزلية ومذاكرة الأبناء وكي الملابس”أنتِ بتعملي إيه اليوم كله قاعدة قدام التليفزيون”، أو تكون مجهدة ويطلب منها طلب فتقول أنها مريضة فيقول لها:” أنتِ لازمتك إيه في البيت” ويشعرها بأنها خادمة ولا قيمة لها أو يقلل من شأنها، وأيضًا الزوجة التى تقلل من مجهودات زوجها وتقلل من شأنه أمام أهلها وكأنه لم يفعل شيء مطلقًا, فكل أنواع عدم التقدير من الطرفين تؤدي إلى المشكلات الأسرية بدءًا من سوء المعاملة وصولًا إلى استخدام العنف مع الطرف الأخر وصولًا إلى الخيانة الزوجية بكافة أشكالها كنوع من رد الاعتبار والشعور بالأهمية المفتقدة من الطرف الأخر، ومن ثم الشعور بالفتور من هذه العلاقة وعدم الرغبة في استمرار هذه العلاقة.

وعن أهمية وجود التقدير في العلاقة قال “الفنجري” لابد من وجود التقدير والاحترام المتبادل بين الزوجين لأنه يجعلهم يتجاهلون كافة الأشياء التي قد تعكر صفو هذه العلاقة، وتُقدر المجهودات بتقديم المكافاءات التي يمكن أن يقدمها الزوج لزوجته كنوع من التقدير تبدأ كما ذكرت من عبارات الثناء والشكر والمدح وفعل الأشياء التي تحبها وتقديم الهدايا وتذكر المناسبات الخاصة بها وهكذا, كما أن نوع المكافأة يتوقف على شخصية الزوجة فهناك زوجة تحب المدح وهناك زوجة تحب الرومانسية وهناك زوجة تفضل المكافأة المادية وليست المعنوية, مضيفاً إلي أن على كل طرف من أطراف العلاقة الزوجية فهم شخصية الأخر ما الذي يرضيه؟، وما الذي يغضبه؟، ماذا يحب؟، وماذا يكره؟، وبالتالي يقدر الطرف الأخر ويقدر مدى تضحيته لاستمرار العلاقة الزوجية والحفاظ على كيان الأسرة وبالتالي يرغب في استمرار هذه العلاقة ولا يفكر في النظر إلى شخص أخر مهما كانت المغريات لأنه يرى في شريك حياته كل ما يتمنى أن يراه.

الدكتور الفنجري غلاب

وفي هذا الصدد يقوم الدكتور”محمد جوده”, أخصائي تأهيل نفسي ومحاضر في الجامعة الكندية وعضو الأكاديمية العالمية للتدريب بكندا, بأن غالبًا ما يؤدي عدم التقدير بشكل عام بين أفراد المجتمع إلي الصراعات الداخلية والخارجية بين الإنسان ونفسه قبل صراعاته مع من حوله، فطول الوقت تحوطه الضغوطات والشحونات، كما تسبب في تفكك الأسر وظاهرة الاغتراب بين أفراد الأسرة الواحدة، فالتقدير بين الأب والأم ينعكس علي الأبناء خاصة أن الصراع الداخلي كان أيضًا سبب في ظاهرة ميل الشباب في سن المراهقة للجنس الآخر.

وأضاف “جوده” إن العلاقة بين الزوج والزوجة في جميع الديانات السماوية لابد أن تقوم علي المودة والرحمة والتكامل لتأسيس أسر سليمة مستقرة وهذا ما تم افتقاده في المجتمع فأغلب الأسر أصبحت مفككة ومهلهلة والاحترام من أساسيات استمرارية العلاقات، فعمر الزيجات في المجتمع القديم كان مرتبط بتاريخ الوفاة لأنه كان زوج أبدي عن اقتناع مبني على الاحترام، وعليه لم يكن هناك انتشار للعلاقات الغير شرعية والخيانة الزوجية التي غالبًا ما تكون سبب الانفصال، حيث كانت نظرة الزوجين لبعضهما تنعكس علي الأبناء، فتري الزوجه زوجها “هرم” وكانت تورث نظرتها لأبناءها، كما كان يري الزوج زوجته طوال الوقت شرف له أمام أهله لأنها كانت تقوم برعاية بيته وأبناءه ورعايته واحتياجاته وغير مقصرة ويظهر هذا لأبنائه فيعتزوا ويقدروا تعب ودور الأم في الأسرة, مشيراً إلي أن هناك بعض الدول الأوربية حاولوا الأخذ بتجارب الحياة الزوجية في مجتمعنا لتجنب حالات الانتحار والتفكك هذا -عن دراسات علمية-، وأن هناك ضرورة لتقديم المكافأت بين الزوجين كنوع من أنواع التقدير فقد تكون متماثلة في النظرة الحميمة، أو ابتسامة معبرة عن الشعور بالفخر والتقدير، أو رسالة عبر”الواتس آب”وسط اليوم تحمل القليل من الكلمات، فترفع الأمل والطاقة مهما كان الضغط.

الدكتور محمد جودة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق