مقالات
أخر الموضوعات

زيادة كراميل

بقلم: رواء حسن

ما إن رأيتُها حتى شعرت بالأنس في جوارها وضحكاتها، ففيها من الدفء والرحمة ما تدركه من أول نظرة، وفيها من الأُلفة ما إن يجعلك تظن أنك تعرفها منذ مئة عام، هكذا بَدت لي هذه السيدة التي تجلس على ناصية الشارع تبيع”الجرجير والنعناع” عندما وقفتُ؛ كي أبتاع منها بعضاً من  الحزم فإذا بها تضاحكني بابتسامة رحبة وتدعو لي وكأنها تعلم حاجتي لهذا الدعاء، وثناؤها علي ضحكتي وهى لم تدرك بأنها هي التي كانت مصدر ابتهاجى وسروري في هذه اللحظة, فهكذا جَبرت بخاطري فجاءت كلماتُها كزيادة كراميل بالنسبة لي, فزيادة كراميل هي قهوة تحتوى على الكثير من السكر كما يُطلق عليها في “الإسكندرية”, وهكذا هو صَنيع جبر الخاطر بنا، يضفي علي أرواحنا كراميل فتصبح راضية.

جبر الخاطر.. نعم هذا ما نفتقده نحن في أيامنا، ثناء أحد منا على فعل الآخر، الأخذ بأيدي الآخرين ومساعدتهم على النهوض بعد محنة قد تعرضوا لها، إرسال رسالة تحتوى على كلمات حب وود، ابتسامة طفل صغير لك دون سبب، إطراء جميل من أحد زملائك على أدائك في العمل، إبداء رأيك في زى صديقك وكم أنه يليقُ به، شكر والدتك على إعداد الطعام لك وكم كان شهياً، فهكذا علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلمعندما أخذ يواسي طفلاً صغيراً قد مات عصفوره، فكان درساً لنا في جبر الخواطر.

ومع تسارع عجلة الحياة وكثرة الضغوط والمشاكل أصبحت كلمة جبر الخاطر كلمة زائدة لم نَعد نلقى لها بالاً ليس هذا فقط بل أصبحنا نمارس التنمر والسخرية على كل شئ بسبب ودون سبب، فكثيراً ما نرى تعرض بعض منا بشكل مباشر أو غير مباشر للسخرية وبقصد أو دون قصد, ولا أُوجه عتابي لهؤلاء المتنمرين لأني لا أعتبر أنهم يستحقون الرد عليهم، ولكن أوجه شكري وتقديري لكل من تمالك نفسه وكان عزيز النفس وقاوم هؤلاء بعدم الإصغاء لهم.

ألهمتني بذلك الفنانةيسرا اللوزيبقوتها وثباتها عندما ردت على أحد المتابعين لها على تغريدة فى توتير بوصفه إياها بأنهاأم الطرشة“، فكان ردُها قوياً بأن هذه الطفلة الصماء  جعلتها تتحدث فى العديد من البرامج عن أهمية الكشف المبكر للمواليد؛ وأنها لديها إنجازات أثرت على شعب كامل رغم أن عمرها لا يتجاوز ٦سنوات, وكما فعلت أيضا الفنانةسوسن بدر عندما نشرت تغريده لها تنعي فيها المخرجحاتم علي فجاء رد أحد المتابعين لهاعقبالك“، فما كان ردها إلا بأن الموت رحمة ولطف من الله للطيبين لأنهم يتمنوا لقائه.

ولكنى أعي تماماً بأن لكل منا طاقة وقدرة على التحمل فلا أتناسى أنني قرأتُ يوماً خبراً عن طفل لا يتجاوز عمره أربعة عشر عاماً، أقدم على الانتحار؛ بسبب تعرضه للتنمر سخريةً من وزنه الزائد، فأصبح على الأهل جهد مضاعف في تربية أبنائهم على تقبل واحترام الآخرين ومراعاة الاختلاف فيما بينَهم وبين زملائهم، وعلى  الثقة بالنفس وعدم سماع كلام الآخرين.

وعلى النقيض الآخر كم كنّا سُذج عندما كنّا نفكر بأن السعادة هي معرفة رأي الآخرين بنا وإن ثقتنا تأتى عندما يمدحنا أحد؟، بينما فهمنا بمرور الوقت أن هُناك من يُعانى نقصاً لا يشعر  بالتحسن إلا عندما يقوم بالسخرية من الآخر والتقليل منه، وكأن مدح الآخرين والثناء عليهم وعلى أفعالهم يذمه هو.

لذلك علينا أن نعى أن السعادة لا تتطلب عمل الكثير من الإنجازات بل تكمن فى رسائل بسيطة مُفرحة تأتينا دون موعد أو سبب معين، كبالون صغير تفاجئ بها طفل، أو أن تشعر بأنك راضِ  عن حياتك، أو أن تجمعك صدفة حلوة بصديق قديم لك دون ترتيب منك، لذا كُن أنت كزيادة كراميل لمن حولك وكن جابر بخواطرهم في كلمة أو تعبير رقيق أو هدية، كن مستمع جيد لهم وقم بمدح أعمالهم، فلعل ما تقوم به اليوم يُرد إليك في الغد القريب ولعل مَنْ تجبر بخاطره اليوم يكون سبباً فى رفع ميزان حسناتك يوم القيامة, فلنكُن ضيوفاً خفافاً فى هذه الدنيا ولنتُرك أثرا طيباً في نفوس الآخرين يكون شفيعاً لنا في يوم نتمنى لو أن نعود فيه إلى هذه الدنيا لنعمل عملاً صالحاً نؤجر عليه.

ختاماً ومن وجهه نظري حتى وإن بلغ الإنسان من العمر عتياً سيظل بحاجة إلى المدح والثناء عليه، وإن كان بأبسط الكلمات فكلُ منا يستحق تعليقاً إيجابياً على أفعاله، وخاصة إذا كان مُراعياً لشعور غيره، حريصاً على عدم إيذاء أحد، رافضاً لثرثرة الآخرين  وللكلمات الساخرة فكلُ منا بحاجة إلى صُناع السعادة يكون كزيادة كراميل في حياته، وإن لم يجد فليكن هو ذلك الصانع لنفسه ولمن حولِه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. لفتات واقعية من متفحص للحياة يري بعين ايجابية و محب للحياة بمفاهيمها المختلفة تحت اطار للحياة معانٍ كثيرة لابد من تعايشها و الغوص في ابعادها مع أناس لا حدود لابعاد وجهات النظر لديها و تحليلاتها المختلفة و لكن دون حمل الأذي الاجتماعي عند المشاركة ..
    رأيت هذا كله بالرغم من بساطة و عمق كلماتك و التعبير عن خواطر ذاتية قابلة للموضوعية و بجبر الخواطر تسقط المعاني في آبار الارتواء النفسي و السعادة الحقيقية ..

    سلمت يمينك و أفكارك اللطيفة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق