مقالات
أخر الموضوعات

عزة نفس

بقلم: عايدة فاضل

يقول الإمام علي بن أبي طالب:”اطلبوا الحوائج بعزة نفس”, والمقصد هنا أن حتى وإن كان هناك احتياج فيجب على بني البشر أن يكون عزيزاً وليس ذليلاً، وهذا يحافظ على الإنسان وكرامته, وفي المقابل يقول رسولنا الكريم: “المؤمن كيٌس فطن”, والكياسة والفطنة تشمل كل شيء منها من هم مستحقي الصدقات، فكما قال الله في كتابه العزيز: “يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً”.. وهذه القصة التي أسطرها لكم تعطي القصد من وراء المعنى للكياسة والفطانة التي يجب أن تكون لدى الجميع في إعطاء الصدقات لمستحقيها، وهذا يساعد المجتمع في التخلص من ظاهرة التسول والتي يجمع المتسولين من وراء الملايين.

يُحكى أن عالماً جليلاً ذا بصيرة وحكمة، وذا مال وجاه كان جالس يوماً مع مريديه وتلاميذه، وبينما هم كذلك دخل عليهم رجل غريب لا يبدو عليه طلب العلم، ولكن يبدو عليه عزيز قوم ذل، وكان يحمل في يده قارورة بها ماء، دخل وسلم على الحضور وجلس حيث انتهى به المجلس، وأخذ يستمع للشيخ في أدب وإنصات، قطع الشيخ حديثه ملتفتاً إليه قائلاً: “تلك حاجة نقضيه إليك؟ أم لك سؤال فنجيبك؟”, رد الغريب: “لا هذا ولا ذاك، إنما أنا تاجر سمعت عن علمك وخُلقك، وجئت أبيعك هذه القارورة التي أقسمت ألا أبيعها لأحد سواك، وأنت خير من تقدرها”، فأخذها العالم مفترساً إياها يقلبها يميناَ ويساراً، وهو معجب بها أشد الإعجاب، ثم التفت إلى الرجل قائلاً: “بكم تبيعها؟”, قال الضيف:”بمائة دينار”, فقال الشيخ: “إن هذا الثمن قليل عليها، سأعطيك مائة وخمسين”, فرد الضيف عليه قائلاً: “بل مئة فقط لا زيادة ولا نقصان”, ثم قال الشيخ لابنه: “ادخل عند أمك وأحضر منها مئة دينار”, أخذ الضيف المبلغ ومضى في حال سبيله، وخرج الحاضرون متعجبين من هذا الماء الذي اشتراه الشيخ بهذا الثمن الباهظ.

دخل الشيخ إلى مخدعه لينام، لكن الفضول أخذ ابنه أمسك القارورة ليرى ما هذا الماء الغالي الثمن؟, وفتح القارورة وجد فيه ماء عادي، دخل إلى والده مسرعاً صارخاً قال: “يا والدي لقد خدعك التاجر، الماء الذي بالقارورة ماء عادي، ولا أدري هل أعجب من دهائه، أو من خبثه، أم من طيبتك وتسرعك؟”, ابتسم الشيخ ضاحكاً وقال لولده: “يا بني لقد نظرت إلى الماء ببصيرتي وخبرتي، فرأيت الرجل يحمل في القارورة ماء وجهه الذي أبت عليه عزة نفسه أن يريقه أمام الحاضرين بالتذلل والسؤال، وكانت له حاجة في مبلغ يقضي به حاجته ولا يريد أكثر منه، والحمد لله الذي وفقني على عمل الخير دون خدش كرامته”.. الخلاصة هو يجب علينا ألا ننظر إلى الناس نظرة سطحية؛ لأن هناك كثير من البشر يحتاجون إلى المساعدة لكنهم متعففون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق