مقالات
أخر الموضوعات

ما وراء الألم

بقلم: رواء حسن

كثيراً ما أقف وأنظر، ويجول في خاطري لماذا نتألم؟، ولماذا تكون الحياة صعبة وقاسية؟، ولماذا يوجد لدى كل منّا ما يعكر صفوه ويُكدره؟، دائماً كانت الإجابة:”أن هذه هي الدنيا، هي رحلة صغيرة وليست بحياة أبدية حتى تصفو وتحلو كما نحن نُريد”.

هذه هي الابتلاءات والآلام كي نؤجر ونتعلم ونسمو، وعندما بحثُت عن معنى وتعريف للألم وجدته خليط من المشاعر السلبية المزدحمة بداخلنا، وأفكار متخبطة في عقولنا بين الأمنيات والأحلام والرغبات، وبين الأقدار والواقع.. بين ما نريده فعلاً، وبين ما نستطيع تحقيقه.. بين الخيال الذي نريد أن نصل إليه وفهم القدر والحكمة والغاية بما هو كائن وموجود ومُحقق، فهذا هو الألم

صور الألم متعددة مابين ألم الفراق وألم الرفض وألم عدم تحقيق حلم وغيرها، فالألم متغير من وقت لآخر ومن صورة لأخرى، ودائماً ما يكون هناك صراع بين حق النفس في الألم، وبين الارتقاء الروحي في الرضا بما كتبه القدر لنا وتقبل حقيقة أن الألم هو جزء من متع الحياة.

ولكل منّا لحظات ألم مر بها وقصة يرويها عن تجربة حقيقية واجهها، ومهما كان الألم متشابة بيننا يظل لكل منّا طريقته الخاصة في تحمل وتقبل هذا الألم، وطرقه في التعامل مع ألمه، وأين ومتى يخرج منه؟، فكلٌ منّا يواجه ألمه بشكل مختلف، ومن منّا لم يفارق شخصاً عزيزاً عليه؟، فبعضُنا ظل أسيراً لذكرياته الممتلئة بالتفاصيل لسنوات وسنوات، والبعض الآخر تجاوز آلمه أو هكذا ظن.

وكذلك ألم الرفض وعدم قبولك من قبل الآخرين.. فالرفض أكثر ما يؤلمنا منذ الطفولة ونحن نسعى لنكون موضع إعجاب وتقدير، ونبذل أقصى جهدنا؛ لننال ثقة واحترام الآخر ونكون ذوي قيمة ومُفضلين, ففي الرفض إحساس وشعور مؤلم ومُحير يجعلنا في صراع مع أنفسنا بشكل مستمر، وفي تساؤل دائم:”ما الخطأ الذي بنا؟، وما الذي ينقصنا يُشعرنا بأننا غير راضين عن أنفسنا؟، فيحدث صدام داخلي لماذا لا يتقبلنا الآخرين؟”.

يتمثل هذا الرفض في مقابلة عمل أو رفض لأفكارك ومعتقداتك أو رفض لخلفيتك الثقافية… وما إلى ذلك، إلى أن يجعل منّا أفراد مفرطين في الإحساس ربما تصل إلى درجة الإحساس بالدونية والسخط, فمثلا عندما لا يتفاعل أصدقاؤك بشكلٍ كافٍ مع منشوراتك على شبكات التواصل الاجتماعي؛ ينتابك شعور الرفض وأنك غير مرغوب وغير مهم بالنسبة إليهم؛ لذلك صنف العلماء الرفض بأنه واحد من أكثر المشاعر إيلاماً، وأيضا ألم عدم وصولك لما تتمنى أو عدم تحقيق أحلامك يُشعرك بأنك ناقص وأن هناك جزء من حياتك لم يكتمل بعد؛ لذا عليك أن تبحث عن إنجاز لنفسك تقوم به خلال وقت محدد، وأن تدرك أنك إنسان مُكرم خُلقت لهدف وغاية محددة, لذا رافق أصدقاء يحبونك لشخصك وليس لما تملُك, وتذكر دائماً بأن الألم سيزول، وأن القلق سيختفي بمجرد الانشغال بعملك, وثق في أن الطريق خير مُعلم، وأن ما مررت به في الحياة هو خبرات وتجارب تقويك، فلكل منّا دور في الحياة يكمن في بحثه عن ذاته وتقديره لها وتعظيمه إياها، ليس يإنجازه هو، بل لأن الله خالقه لدور يقوم به وينتهى هذا الدور بخروج آخر نفس له.

ستظل ندبات وعلامات الألم كأسهم تُذكرنا كم كنّا أقوياء عندما مررنا من هناك، وكم استصعبنا مروره، ولكنه مر, وها نحن نقف من جديد وقد تعلمنا واكتسبنا خبرة وازددنا صبراً, حيث يمر كثير منّا بأزمات صحية أو مادية أو نفسية؛ فنتألم ونشعر بأنه لا مخرج لنا وكأنها نهاية المطاف وأن الطريق قد انتهى، وعندها أتذكر مقولة “روبن ويليامز” :”بإمكان معدة جائعة ومحفظة فارغة وقلب مكسور أن يعلموك أقوى الدروس في الحياة”.

فانظر إلى الجانب الآخر وكن على وعي بأنه ما زال هناك نفس فسيظل هناك ألم وتجربة ودرس جديد، وتبقى الحقيقة المتأصلة بأن مع الألم يُولد الأمل، وتقديرك لذاتك ليس لكثرة مالك أو لمنصبك أو لثناء الناس عليك، بل لأنك روح أرسلها الله إلى الأرض. فبداية تصحيح أي أمر هو إدراكه ومواجهته والاعتراف به؛ لذا عليك مواجهة ألمك، وأن تتحلى بالشجاعة؛ للنهوض فمواجهة الألم هو بداية جديدة تدفعنا للاستمرار، وهو سبيل النجاة ويبقى شعورك بالرضا تجاه أي ألم تمر به هو أعظم ما يُمكّنك تجاوزه، وكذلك سعيك وراء ما ترغب به وتحبه مهما استصغره واستصعبه من حولك فهو في النهاية قرارك واختيارك وحياتك التي سوف تُسأل عنها أمام الله وحدك, وفي الختام أحب أن أُهدي باقات من الأمل لكل قارئ لعلي أكون مصباح صغيراً يرشده إلى النور الذي بداخله، وأنوه بأننا جميعاً نمر بهذه الآلام وجميعنا باستطاعتنا أن نتجاوز.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق