هو وهي
أخر الموضوعات

معاناة المكفوفون .. بين رفض الأسرة وتجاهل المجتمع

المكفوفون: نواجه رفض من قبل الشركات لإعتقادهم بأننا غير مؤهلين للعمل

تحقيق: زينب محسن

عندما نسمع كلمة “كفيف” تطرأ لأذهاننا حيرة يصاحبها استفسارات ومشاعر من الشفقة والحزن، باعتبار أن المكفوف شخص عاجز لا يستطيع التحرك بمفرده، فهو بحاجة دائمًا لمرافق؛ مما يجعل بعض الأشخاص يتصرفون من هذا المنطلق وذلك ربما يزعج الشخص المكفوف.

ومن ناحية أخرى ينظر بعض الناس إلى الكفيف على أن إعاقته عار، فليس له الحق في العمل أو الزواج أو حتي التعليم، فليس من حقه سوى البقاء بالمنزل منعزلًا عن المجتمع ليظل غريبًا وسط أهله ومجتمعه، فهل البصيرة تحتاج لعينين أم إلى قلب وعقل؟.

في البداية يُحدثنا “قلته ثروت”, البالغ من العمر 22 عاما, والحاصل علي ليسانس آداب فلسفة, قائلًا: “أصعب تحدياتي منذ الصغر في الغربة حيث كانت دراستي بمحافظة الأسكندرية بعيدًا عن أهلي حتي الثانوية العامة، لكنها كانت سبب في اعتمادي على التخطيط في حياتي و ترتيب وقتي ومواعيدي، كما ساعدني أيضا علي الاعتماد علي ذاتي في معرفة خط السير حيث كنت أقوم بتحديد الطريق من خلال الظل والمطبات وفرق الهوا ما بين وجود سور أو انتهائه, كما أنني شخص من ذوي الخيال الواسع و أفضّل طرق استخدمها للتفكير من خلال الجلوس في هدوء حتي أتخيل وأخرج بأفكار جيدة”.

ويستكمل بشكل ساخر: “ومن المواقف السخيفة والمضحكة التي أواجها هي مقابلة أشخاص ينظرون إلي على سبيل الشفقة والاحتياج الشديد للمساعدة فعلى سبيل المثال: أثناء ركوبي التاكسي قابلت شخص صمم على دفع الحساب لي، وعند الدفع طلب مني 2 جنيها ليكمل المبلغ رغم عدم طلبي ذلك فكوني كفيف لا يعني عدم امتلاكي أموال”.

قلته ثروت

أما عن “أحمد صلاح”, البالغ من العمر 21 عاماً, والطالب بكلية الآداب قسم علم اجتماع, يقول: “أول التحديات التي واجهتها هي رغبتي في تعلم الكمبيوتر في وقت لم يقتنع الكثير بأن الكفيف قادر على التعامل مع التكنولوجيا ولكني أيضًا مع الاصرار والمثابرة تعلمت الكمبيوتر من خلال البرامج الناطقة، بل تعلمت صيانته أيضًا وذلك ساعدني في التغلب على التحدي الثاني وهو رفضي في كثير من الأعمال وعدم اقتناع أصحاب الشركات بقدرة الكفيف على العمل ولكن خبراتي التكنولوجية كانت السبب في إثبات العكس لهم -أفعال لا أقوال-، وحلمي الآن هو فتح شركة متخصصة في مجال صيانة الكمبيوتر”.

أحمد صلاح

أمّا عن رفض الأسرة تقول “الشيماء حسن”, والتي تبلغ من العمر 21 عاماً, والحاصلة على دبلوم فني تجاري: “من أكثر التحديات التي واجهتني عدم اعتراف أهلي بضعف نظري من وقت كوني طفلة 10 سنوات وبالتالي معارضة دخولي مدرسة النور وذلك لأنها داخلية خوفًاً علي من البعد عن المنزل وبالطبع درست في مدارس المبصرين فكنت أري بالكاد لكوني ضعيفة النظر بشكل قوي وهذا أثر علي مستوايا الدراسي حتي وصلت لدبلوم فني تجاري، أمّا التحدي الثاني فهو رفضي في كثير من الشركات فأنا لا أصنف من المبصرين ولا حتى امتلك شهادة التأهيل للمكفوفين، ورغم كل هذا تغلبت على التحديات من خلال مشاركتي في تدريبات خاصة بالتكنولوجيا والتنمية البشرية وأخيرًا تعلمت “البرايل” حتي أستطيع القراءة والكتابة بشكل أسهل”.

وأضافت: “وكان من أهم أحلامي إكمال تعليمي، وحققته بالفعل حيث قدمت أوراقي وتم قبولي في مدرسة “النور” وبدأت بالدراسة من الصف الأول الثانوي من عام 2020″.

ومن جهه آخري, تقول “يسرية مصطفي”, نائب مدير المركز التعليمي لنظم المعلومات بالمنطقة الجنوبية العسكرية: “نتعامل مع المكفوف على أنه إنسان مثلنا وفي حالة تقديم المساعدة له فليس لأنه أقل شأنًا من غيره، ولكن حتى يتساوي مع غيره في التعليم والمهارات بالطرق المناسبة له كتعلم الكمبيوتر من خلال البرامج الناطقة، كما نحرص على إعلامه بأماكن الأشياء بالمركز حتي يتعامل بنفسه دون الاحتياح لأحد، أمّا عن المساعدة الحياتية نحرص على وجودها قبل أن يطلب الشخص، كالمساعدة في ركوب تاكسي”.

وأضافت: “نواجه صعوبات معهم فالأغلبية لا يمتلك كمبيوتر في المنزل رغم قيام المركز بتنمية تلك المهارات التكنولوجية بقدر الإمكان ولكن تكمن الصعوبة في امتلاك جهاز شخصي لديهم للتطبيق، وهنا يستطيع الشباب التغلب على تلك المشكلة فيذهبوا لمركز خارجي أو عند أحد زملائهم بالطبع عند رغبته في التعلم أو محاولة شراء جهاز بالمنزل، ونجد العكس تمامًا مع الفتيات لصعوبة التحرك”.

أمّا عن حقوق المكفوفين, فتقول: “هناك فجوة بين مفهوم ثقافة حقوق ذوي الإعاقة لذوي الإعاقة أنفسهم، فهناك حقوق يطالبون بها لا يكفلها القانون أو الدستور، وهناك حقوق يعلمون بها جيدًا لا يجدونها بالواقع، فالموضوع هنا نسبي، فمستقبل الكفيف الفترة القادمة سيكون أفضل, لأن هناك العديد من المكفوفين بدأو بالفعل في العمل سواء بالشركات والمؤسسات أو العمل من خلال الإنترنت مثل: “freelanser” كما أن الشركات الخاصة بدأت تفسح مجال العمل للمكفوفين”.

يسرية مصطفي

ومن جهته, يقول “الفنجري غلاب”, نائب مدير مركز الحداثة للدراسات الإجتماعية والتنموية ومدرس علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الوادي الجديد, بأن نحن نعيش في مجتمع يُهمل فيه الكثير من حقوق ذوي الإعاقة، وربما يعتبرهم البعض عبء ثقيل عليهم حتى من ذويهم وأهلهم، فنجد البعض يخجل من أن يعترف أن لديه ابن معاق أو ابنة معاقة، ويطلق البعض على ذوي الإعاقة البصرية أو الكفيف لفظ “شيخ”، وكأنه شخص بركة على الرغم من تفوق الكثير من ذوي الإعاقة البصرية في دراساتهم وحصولهم على درجات علمية وتحدي كافة الصعاب التي يواجهونها في القراءة والكتابة بداية من تحويل الكتب الدراسية إلى لغة “برايل” أو الاستعانة بأحد ما؛ لمساعدتهم في الكتابة, بالإضافة إلي نظرة الشفقة التي نراها في عيون الكثيرين من الناس؛ هي نتيجة للثقافة التي نعيشها والتي تجعل من الشخص الكفيف “بركة “، وعلى المجتمع أن يتوسع في عملية دمج المعاقين بمختلف أنواع الاعاقة داخل المجتمع مع عمل حملات توعية مكثفة لتغيير ثقافة الناس ونظرتهم إلى الشخص المعاق، وعلينا أن نتقبل ذلك بصدر رحب ونتعامل مع هذه الفئة دون أي تمييز, وما يحدث الآن هو محاولة من الحكومة للدمج الجزئي، لكن لن يحدث الدمج الحقيقي إلا إذا تغيرت ثقافة الناس ونظرتهم لهذه الفئة، وذلك بعرض النماذج الناجحة من هؤلاء للمجتمع.

الدكتور فنجري غلاب
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق