هو وهي
أخر الموضوعات

“عنوسة الرجال”.. ظاهرة بين عدم الرغبة والظروف

طايع الديب: أجلت الزواج من أجل الكتابة.. وأستاذة علم الاجتماع: المجتمع المصري يواجه حرب الثقافات

تحقيق: أحمد الدخاخني, إيمان شهاب

حينما نسمع لقب “عانس” فإنه يأتي في أذهاننا أن هذا التعبير يُقصد به الفتيات اللواتي لم تتزوجن باختلاف أعمارهن، و كثيراً لا يُستخدم على الرجال الذين لم يتزوجن مهما زادت أعمارهم، رغم أن هذه الظاهرة تلتصق بالطرفين معاً، و تنتشر ظاهرة “عنوسة الرجال” لأسباب مختلفة في حياة الرجال أدت إلى تأخر الزواج عندهم سواء كانت برغبتهم أو رغماً عنهم، لذا التقينا ببعض الرجال ممن تخطوا سن 35 عاماً وربما أكثر ولم يتزوجو حتى الآن.

في البداية يحكي “طايع الديب”، صحفي وكاتب، والذي تخطى الأربعين عاماً من عمره, حيث يصف نفسه قائلاً: “من الممكن اعتباري حالة خاصة قليلاً، فإن معظم الكُتٌاب يفضلون العزلة، و أتذكر أن الشاعر “أحمد الشهاوي” قال عن الشاعر الفلسطيني “محمود درويش” إنه كان يحب النساء، و لكنه لم يكن يطيق أن تشاركه إحداهن شقته، و لذلك قررت تأجيل الزواج من أجل التفرغ للكتابة حتى أجلني الزواج”.

و يضيف قائلاً: “أن هناك ظروف أخرى لعدم الزواج حتى الآن و هو أنني لا أستقر في العمل بجريدة ما، فقد عملت في أكثر من جريدة كجريدة الوطن التي دام العمل بها لمدة 7 سنوات”.

و يتابع “طايع”, قائلاً: “أنه يفكر في الزواج، حيث إن سبق له أنه خطب حتى وصل لمرحلة كتب الكتاب، و لكنه تراجع في آخر لحظة لأن العيش من وجهه نظري مع كاتب محترف شيء لا يُطاق، ولأنني منشغل دائماً بالقراءة والكتابة أو مشاهدة الأفلام حتي أنه ليس لدي وقت للذهاب إلى الحلاق، و هكذا المثقفون عموماً إما أنهم يفضلون العزوبية، أو إنهم إذا تزوجوا فشلوا”.

ويضرب “الديب” مثلاً بقصة صديقه “أحمد” وهو طبيب جراحة عظام، قائلاً: “تزوج منذ 25 عاماً ولكنه تطلق من زوجته الأولى لأنها أحرقت مكتبته، وهذا الطبيب يعمل أديباً و شاعراً و له 7 كتب، بالإضافة إلى أنه تعلم الطب في لندن و كان مديراً سابقاً لمستشفى البدرشين ويعمل حالياً خارج مصر و قد تزوج بأخرى فيما بعد”.

الكاتب طايع الديب

أما “أيمن شاكر”، وهو الرجل الذي يبلغ من العمر 38 عاماً، يوضح سبب عدم زواجه حتي الآن قائلاً: “أنني لم أتزوج حتى الآن فقط لأن النصيب لم يأت بعد، ولا يوجد أي سبب يعيقني عن الزواج سواء أسباب مادية أو غيرها، و عندما يأذن الله لي بأن أتزوج فسيرزقنني “ببنت الحلال”، والإنسان يتمنى ويجتهد و يسعى في سبيل الوصول إلى ما يريد والله الموفق”.

“عُدت من الجيش فوجدتها تزوجت غيري” .. هذا ما قاله “شريف عبد الرحمن”, المحاسب بإحدي الشركات, و الذي بلغ من العمر 37 عاماً, حيث يروي لنا قصته قائلاً: “من أيام الجامعة وكنت أحب زميلتي في الكلية وهي أيضا كانت جارتي وتواعدنا علي الزواج عندما أتخرج, وبالفعل بعد التخرج ذهبت لأتقدم لها ولكن والدها رفضني بسبب أنني مازلت في بداية طريقي وقال لي “خلص جيشك يا ابني, وتعالا حتلاقيها موجودة”, أخذت كلامه وعد وهي أيضا وعدتني بأنها ستنتظرني ولكن بعد انتهائي من الجيش وذهبت إلي المنزل علمت من والدتي بأنها تزوجت منذ 4 أشهر وحامل, حينها شعرت بالصدمة خاصة أنها اختفت ولم تتحدث معي مثل الأول بعد دخولي الجيش”.

ويضيف قائلاً: “أريد حقاً بأن أتزوج ولكني في كل مرة أتقدم لخطبة فتاة أري حبيبتي فيها أو بالأصح أود رؤية حبيبتي فيها, فتجنبت فكرة الزواج حتي لا أظلم أي فتاة, ولا أعلم متي ستنتهي عقدتها و أصبح حر من حبها”.

أما ” إيهاب عز الدين”, البالغ من العمر 35 عاماً, ويعمل محامي, نظرته اتجاه الزواج بشكل غير صحيح, فيُحدثنا عن تجربته قائلاً: “للأسف لدي عقدة في الزواج بأنني أريد في شريكة حياتي مواصفات خاصة, ومن الطبيعي أن الجميع لديه مواصفات لشريكة حياته وهذا حقه, ولكن مواصفاتي كانت مختلفة فإنني أنظر إلي الجمال فقط وأبحث عن هذه المواصفات أكثر من الشخصية, وأعلم أن هذا خطأ ولكن لا أعلم كيف أغير نظرتي, فقد تقدمت للكثير من الفتيات ولم تعجبي أي فتاة حتي فكرت الزواج بغير المصريات ولكن أيضا لم يكتمل الموضوع وأكتشف بأنها ليس بها كافة المواصفات الجمالية التي أبحث عنها”.

وتابع قائلاً: “و الفتيات الجميلات التي تقدمت لخطبتهن أغلبهن للأسف لم يكونوا علي خُلق, وأقول في كل مرة سأتغير و أتجوز بفتاة أنظر فيها لأخلاقها أكثر من الجمال, ولكني لم أتغير وأرجع عن قراري, فذلك ما يجعلني أفكر كثيراً في قرار الزواج قبل أن أتزوج حتي لا أفكر بطلاق زوجتي فيما بعد”.

في هذا الصدد تقول “هناء توكل”، أخصائية علم النفس, إن عنوسة الرجال والنساء وجهان لعملة واحدة، و لكن تأخر الزواج عند الإناث بصفة مطلقة هو الأقوى باعتبار المعايير الموضوعة وهي اختلاف سن الزواج عند الإناث عن الرجال.

وتشير “هناء” إلى أن هناك أسباب كثيرة أدت لعزوف الشباب والرجال عن الزواج منها التطلعات الاقتصادية المرتفعة، و أيضاً طموحات الشباب التي زادت مع العصر التكنولوجي الحالي، بجانب الأسباب النفسية التي أدت لعزوف الرجال عن الزواج مثل الخوف من الانفصال وحالات الطلاق المتزايدة والخوف من المستقبل بالمتطلبات الكثيرة.

وتوضح أن المجتمع ينظر تجاه عنوسة الرجال بشكل أكثر رحمة وإنسانية عن عزوف الإناث “الراجل مايعيبوش غير جيبه” مثلما تتوارد هذه الكلمة عبر الأجيال، والمجتمع في النهاية لا يسمي تأخر الزواج عن الرجال “عنوسة” لأن الكلمة في حد ذاتها لم يوصف بها الرجل كنوع من التكريم بخلاف الإناث، فعندما تتبادر كلمة عنوسة فإنها تلتصق بالأنثى.

و قالت أخصائية علم النفس, إن حل مشكلة الرجل الذي يرفض الزواج هو حل مجتمعي وليس شخصياً، بجانب حل اقتصادي ووعي نفسي، حيث لابد من القيام بحملات توعية لخفض المتطلبات الاقتصادية وزيادة الفكر النفسي تجاه معنى الزواج بشكله الحقيقي.

كما علقت “هناء توكل”, على تفضيل الكُتٌاب والمثقفين للعزلة عن الزواج, بأن هذا الكلام صحيح بشكل كبير، و ذلك لأن كلما زادت النضج فإن متطلبات الزواج الفكري تزيد، وبالتالي تقل فرص انتقاء شريك الحياة، و كلما زاد الفكر والنضج عند الرجل أو المرأة، فإنما تقل القدرة على الاختيار من المتاح.

“هناء توكل” أخصائية علم النفس

في سياق متصل قالت الدكتورة “سامية خضر”، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس, إن سبب تأخر الزواج سواء عند الذكور أو الإناث هو عدم الثقة بين الطرفين، حيث دخلت بينهما عناصر الشك مثل تحكم الرجل في زوجته أو إغرائه بإمرأة أخرى أو القيام بمراقبتهما لبعض، و كذلك التكبر على بعضهما البعض بالمقارنة بين راتب الرجل و زوجته وأن المرأة تعمل مثل الرجال وربما راتبها أكثر من زوجها وتتحمل مسئولية قسم فتتكبر عليه، وهذه الأمور لم تكن موجودة في المجتمع المصري قبل ذلك، مضيفة أنها لا ترفض أن تعمل المرأة ولكن بدون تقليد الثقافة الغربية سواء من المرأة أو الرجل.

وأوضحت “سامية” أن المجتمع المصري يعاني من حرب الثقافات وخاصةً حرب الثقافة الغربية، والتي تقوم بمحاربة القيم بهدف تفكك الأسرة، وأول ما يُدرس في كليات علم الاجتماع هو أن “الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع”  وعندما تتفكك الأسرة فإن المجتمع يتفكك، بالإضافة إلى الأعمال الفنية التي تُقدم حالياً والتي تدعو إلى الشر وعدم الثقة في النفس وفي أفراد الأسرة كالزوج والزوجة والأخ والأخت وللأسف لا يوجد من يواجه هذه اللمحات، على عكس الأعمال الفنية الماضية التي تناقش المشكلة الاجتماعية و حلها مثل مسلسلات ” عائلة مرزوق أفندي، وبابا عبده، ويوميات ونيس”، والتي كانت من ضمن الحلول تجاه قضايا الأسرة. 

و تطالب أستاذة علم الاجتماع، قيام الأزهر الشريف بدوره في مواجهة “التيار الخطي” الذي يهدد الأسرة؛ لأنها هي النواة الأولى للمجتمع وإعادة الثقة بينهم, حتي لا نبتلع الطُعم، خاصة أن هذا الطُعم هو حرب على الثقافة, وهذه الحرب لا تقل عن حرب الإرهاب، مضيفة بأن الإعلام المرئي “ساقط ” يؤدي إلى سقوط المجتمع ككل وليست الأسرة، فإن بعض برامج المرأة تقدمها بعض الإعلاميات بأسلوب منتهى الهبوط وعليهم معالجة هذا الوضع.

الدكتورة سامية خضر
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق