مقالات
أخر الموضوعات

عامُ فيه يغاث الناس

بقلم: رندا ثروت

كلاً منا تمر عليه لحظات من اليأس والإحباط، ويشعر أن كل فرصة يسعى إليها تذهب لغيره، ويظل عقله يدور حول فكرة واحدة, وهي لماذا يحدث هذا لي ولماذا كلما أدعو بما أريد لا يحدث؟!، ويعتقد أنه الوحيد ذو الحظ السيئ , وأن الأشخاص من حوله يأخذوا خطوات متقدمة وهو كما يقولون “محلك سر”، في الحقيقة الأمر ليس كذلك بل ما يحدث معك يحدث مع الملايين بل المليارات من حول العالم، فمن تكتب إليكم هذا المقال كانت تفكر بتلك السلبية وعاشت فترة إحباط صعبة حتى حدث معها ما جعلها تغير نظرتها للأمور.

ذات يوماً قررت أن أتابع تفسير الشعراوي للقرآن الكريم، فأنا أحب أسلوبه السلس وربط الأحداث الحياتية بالأحداث التي كانت تحدث مع الأنبياء، واستوقفني تفسيره لعده آيات تدور حول فكرة الرضا بما قدره الله وتجاوز الحزن على أي شيء دنيوي، وعلى رأس هذه الآيات “وَيَدَع الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا”، حيث قال قد تدعو بما تعتقده خير ولكن قد يكون غير ذلك لذا قد تكون إجابة ربك لدعائك أن يمنع إجابة دعوتك لأنها لا تصادف الخير لك، فيجيبك بالخير بأن لا يعطيك ما سألت، وعبر عن ذلك ببساطته المعتادة قائلاً: “ربنا مش موظف عندك عشان لما تتطلب الحاجة تجيلك ما يمكن فيها هلاكك”، وفي تفسيره لآية “لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ “, روى لنا الشعراوي أثناء تفسيره قصة لرجل صيني قائلاً: “كان عنده حصان يحبه والحصان ده مشي ومارجعش، فالناس جت يواسوه في حزنه على الحصان فقالهم، ومن أدراكم أن ذلك شر، وبعد فترة الحصان رجع ومعاه مجموعة تانية فالناس جت يهنوه فقالهم، ومن أدراكم أن ذلك خير، وبعد فترة ابنه ركب الحصان ووقع من عليه إتكسر، فالناس جت يواسوه فقالهم، ومن أدراكم أن ذلك شر، وبعد فترة حصلت حرب وماخدوش ابنه من بين الناس الكتير اللي خدوها للحرب علشان كان مكسور”, فهذه القصة التي ذكرها الشعراوي تعبر عن الحقيقية الإلهية في قوله تعالى “لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ”.

الحزن طبيعة بشرية والأنبياء كانوا يحزنون وفي هذا الشأن وأثناء سماعي لتفسير سورة “يوسف” تنبهت لخطورة أن يشكو الإنسان من شيء يحدث له وأحسست بالخجل حينها من نفسي حين سمعت ما قاله الشعراوي عن حزن سيدنا “يعقوب” على ابنه فذكر: “سيدنا يعقوب ماكنش عايز يشكي حزنه لحد ففي واحد من إخوانه قاله تهشمت يا يعقوب ولم تبلغ سن أبيك إسحاق فسيدنا يعقوب رد قال إنما هشمني يوسف تهشمت” (بمعنى ضعفت)، فالشعراوي قال فأوحى الله إليه: “يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي؟, فقال: يا رب خطيئة أخطأتُها فاغفرها لي, قال: فإني قد غفرت لك”, وكان بعد ذلك إذا سئُل قَالَ: “إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ”.

فضيلة الشيخ “الشعراوي” وتفسيره لكتاب الله، جعلني أغير نظرتي لكل شيء ، وحتى حين تغلب بشريتي لحظة إيماني أتذكر قوله تعالى: “ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلَك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ اَلنَّاس”, نعم سيأتي علينا جميعاً وقت نلتمس فيه عوض الله لنا ونتذكر أن ما قدره الله هو الخير ومنعه هو عين العطاء، وأعود لأتذكر ما قاله “الشعراوي” أيضا في أحد تفسيراته “إن لله في أوقاته تجليات لا تحرم نفسك من تجليات وقت الله”. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق