منوعات
أخر الموضوعات

“اصحَ يا نايم وحِّد الدايم”.. “المسحراتى” من الطقوس الرمضانية بمصر

تقرير: محمود درويش

شهر “رمضان” المبارك من أفضل شهور السنة؛ فهو  مليء بالخيرات والبركات، وتكثر فيه الصدقات وصلة الرحم والزيارات, كما له طقوسه الخاصة، وتحدث فيه العديد من الأعمال الصالحة التي لا تحدث في غيره من الشهور, ومن طقوس شهر “رمضان” التي ينفرد بها  ظهور (المسحراتية).. هؤلاء الأشخاص هم مصدر فرحة للكبار والصغار؛ لما يقدمونه من أناشيد شيِّقة وكلمات تعبر عن الشهر الكريم.

وكلمة “المسحراتي” مشتقة من كلمة “سحور”، و”المسحّر”.. وهى وظيفة أو مَهمَّة يقوم بها شخص لتنبيه المسلمين ببدء موعد السحور، وبدء الاستعداد للصيام, فتبدأ تلك المَهمَّة بانطلاق المسحّر قبل صلاة الفجر بوقت كافٍ, يجول فيها الشوارع ممسكًا طبلة صغيرة أو دُفًّا بيده اليسرى، وبيده اليمنى ماسكًا عصاة أو جلدة يدقُّ بها الطبلة قائلًا: “اصحَ يا نايم.. اصحَ وحِّد الدايم.. وقول نويت بكرة ان حييت.. الشهر صايم والفجر قايم.. اصحَ يا نايم وحِّد الرزاق.. رمضان كريم”.

كان أول ظهور للمسحراتي في “مصر” على يد العباسيين، ويعدّ والي “مصر” العباسي “إسحاق بن عقبة” أول من طاف شوارع “القاهرة”، ليلًا في “رمضان” لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور، فقد كان يذهب سائرًا على قدميه من مدينة “العسكر” في “الفسطاط”، إلى جامع “عمرو بن العاص”، وينادي الناس بالسحور, وفي عهد الدولة الفاطمية، خُصِّص الجنود ليدقوا الأبواب على الناس ويوقظوهم للسحور، حتى عُيَّن رجلًا للقيام بتلك المَهمة، أُطلِق عليه اسم “المسحراتي”، وكان يدق الأبواب بعصًى يحملها قائلاً: “يا أهل الله قوموا تسحروا”.

وعند ذكر (المسحراتية) لا بد من ذكر “ابن نقطة”؛ ففي عهد السلطان “الناصر محمد بن قلاوون” ظهرت طائفة أو نقابة (المسحراتية)، والتي أسسها “أبو بكر محمد ابن عبد الغني”، الشهير بـ”ابن نقطة”، وهو مخترع فن “القوما”، وهي شكل من أشكال التسابيح، وعلى يده تطورت مهنة المسحراتي، فاستخدم الطبلة، والتي كان يدق عليها دقات منتظمة، وذلك بدلا من استخدام العصى, هذه الطبلة كانت تسمى “بازة”، وهي عبارة عن طبلة من جنس النقارات، صغيرة الحجم، ذات وجه واحد من الجلد، مثبت بمسامير، وظهرها أجوف من النحاس، وبه مكان يمكن أن تعلق منه، وقد يسمونها “طبلة المسحر”، والكبير من هذا الصنف يسمونه “طبلة جمال”، ثم تطورت مظاهر المهنة، فأصبح المسحراتي يشدو بأشعار شعبية، وقصص من الملاحم، وزجل خاص بهذه المناسبة.

دقات مرتبة وكلمات منمَّقة وصوت عذب جميل, يسمعه الكبار وينصتوا له, ويسمعه الصغار فيفرحوا ويرقصوا, ببساطةِ دقاتِ المسحراتي، وبصوته الجميل ترك أثرًا في أذهان من سمعه، وأصبحت كلماته يرددها الصغار والكبار, هناك كثير من الكلمات التي يرددها المسحراتي مثل: “يا نايم وحِّد الدايم.. يـا غافي وحِّد الله”, “يا نايم وحّد مولاك.. اللي خلقك ما نساك”, “قوموا إلى سحوركم.. جاء رمضان يزوركم”, لكن من الكلمات التي لا زالت عالقة في أذهان الكثير هي “اصحَ يا نايم اصحَ وحِّد الدايم.. وقول نويت بكرة ان حييت.. الشهر صايم والفجر قايم.. اصحَ يا نايم وحِّد الرزاق.. رمضان كريم”, وهي من كلمات الشاعر الكبير “فؤاد حداد”، لحَّنها وغنَّاها الفنان الكبير “سيد مكاوي”.

هذه المَهمة لا يؤديها صاحبها إلى عن حب وشغف بها, ويبذل قُصارَى جَهده، ويخرج أفضل ما عنده دون مقابل، وإن وجد المقابل فيكون تفضُّلًا من قِبَل الناس، ففي نهاية الشهر يمرّ المسحراتي على المنازل، ويأخذ ما يُعطَى له دون مطالبة أحد بشيء.

ومع ظهور التلفاز والراديو قلَّ ظهور (المسحراتية)؛ لما تركته التكنولوجيا من أثر على الإنسان من السهر أمام “الدراما”، أو الاعتماد على المنبِّه والتليفون لإيقاذهم، لكن رغم ذلك ما زال المسحراتي يجول ويصول من حين لآخر في “مصر” وشوارعها، ليس لإيقاظ النائمين فحسب، ولكن للتعبير عن الفرحة بقدوم رمضان، والاحتفال بأحد مظاهر الشهر الكريم وممارسة طقوسه القديمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق