منوعات
أخر الموضوعات

هضبة الجيزة قبل عصر بناة الأهرامات

تقرير: محمد فتحي

شكلت هضبة الجيزة واحدة من أهم الجبانات في مصر طوال العصور التاريخية القديمة وربما تأسست هذه الجبانة في بداية الأسرة الأولى حيث كانت هضبة الجيزة تغطيها المياة في العصور الجيولوجية السحيقة وهو ما يظهر من خلال الحفريات الموجودة على الأحجار الجيرية بالهضبة، وكانت “منف” عاصمة إدارية لمصر خلال العصور الأولى كما كانت مقرًا دائمًا لمؤسسات الدولة ولعدد كبير من موظفيها وكانت مقرًا للملكية على الرغم من أنها لم تكن المقر الوحيد لملوك العصر المبكر، وفي ها التقرير سيتم إلقاء الدور على جبانة الجيزة ودورها في العصر العتيق حتى نهاية الدولة القديمة والمقابر التي اُكتشفت بها ومدى أهميتها بالنسبة للفن المصري القديم.

أُلقي الضوء على عصر الأسرات المبكر بداية من عام 1894 م من خلال حفائر” جرين وكويبل Quibell & Green” في “هيراكنبوليس” خلالها تم العثور على صلاية  للملك “نعرمر” ودبوس للملك “العقرب” ودبوس للملك “نعرمر”، واستكمل دي مرجان “De Morgan” الاكتشافات في نقادة في 1896 م,  و” E. Amelineaus” في “أبيدوس” في عام 1897 م.

واستكمل العمل بتري “F. Petrie” في نفس الموقع أربع سنوات متتالية، وفي عام 1912 م اكتشفQuibell” ” جبانة ضخمة لعصر الأسرات المبكر في سقارة, وعمل بتري في طراخان 1913 م, وفي نوفمبر 1924م قام جورج ريزنر Risener G”” بواسطة جامعة هارفرد الأمريكية بعمل حفائر إلى الشمال من هضبة الجيزة بين فندق مينا هاوس وأبورواش، عثر فيها على بقايا جبانة في كفر غطاطي، تلك الجبانة التي كانت تقريبًا منهوبة، على الرغم من ذلك إلا أنها أمدتنا بمعلومات جيدة عن فترة العصر العتيق في تلك المنطقة.

كما لاحظ “ريزنر” أن تلك المقابر هي مزيج من تصميم معماري لمقابر تلك الفترة في مصر العليا والسفلى، وبعد انتهاء أعمال الحفائر تم الكشف عن 13 مقبرة، 6 مقابر منها من الطوب اللبن، 5 مقابر ذات درج بدائي واثنتان مستطيلة الشكل ذات فوهه مفتوحة مقبرة واحدة فقط عثر عليها سليمة بكامل محتوياتها، وتم تأريخ 12 مقبرة منهم بعصر الأسرة صفر حتى الأسرة الأولى  والمقبرة الأخرى أرخت بالعصر البطلمي.

وقام ريزنر بعمل مقارنة محتويات تلك المقابر ومثيلاتها في نفس الفترة والتي تم تأريخ فخارها بـ 77 إلى 81 من تصنيف بتري للفخار، والذي يعني أنه فخار بدائي من فخار الأسرة صفر والأسرة الأولى والذي يشبه الفخار الذي يعود إلى عصر الملك “نارمر”، والذي من خلاله تم تأكيد تأريخ تلك المقابر بالأسرة صفر والأسرة الأولى، ولسوء الحظ لم يعثر على أي أختام أو أي نقوش تدل على عصر من عصور أي ملك تنتمي تلك المقابر أو أي أسماء لأصحاب تلك المقابر، وبمقارنة الطوب اللبن والدرج البدائي تدل على أنها من عصر الأسرة صفر والأسرة الأولى.

عثر في زاوية العريان جنوب أهرامات الجيزة على مقابر من عصر الأسرة الأولى والثانية وأواني فخارية عليها اسم الملك “عحا” بالمتحف المصري بالتحرير، كما وُجد ختم أسطواني عليه اسم الملك “جت” محفوظ بمتحف مانشستر، ووُجد نوعين من الأختام عليها اسم الملك نعرمر موجودة بمتحف بوسطن (PM, III(1974), P.313)، وذكر أحمد فخري أنه في المنطقة الأثرية التي تعرف باسم زاوية العريان، والتي  تقع بين أهرامات الجيزة وأهرام أبو صير عند قرية بني يوسف الحالية وهي منطقة بها هرمان ومجموعة من المقابر التي تعود إلى عصر الأسرة الأولى، وأرجع فخري أحد الأهرامات إلى الفترة المبكرة من عصر الأسرات وعرف بالهرم ذي الطبقات؛ لأنه يرى كأنه بضع مداميك فوق بعضها وبني من الحجر من محجر قريب من المنطقة والغنية بالأحجار الجيرية، وفي عام 1936 م قامت بعثة هارفرد ومتحف بوسطن للفنون الجميلة بعمل حفائر للكشف عن الهرم والجبانات المحيطة به، وقام ريزنر بنشر تلك النتائج والتي أرجح فيها أن هذا الهرم المجهول والذي نسبه إلى الأسرة الثالثة، لكنه عقد عدة مقارنات بينه وبين مقابر الأسرة الثانية وبين مدخله ومداخل مقابر الأسرة الثانية، كذلك قام بالكشف عن مقابر من عصر الأسرة الأولى والثانية، وعلى الرغم من وجود إناء عليه اسم الملك “خع با” ثالث ملوك الأسرة الثالثة لكن قام ريزنر بالميل إلى نسب ذلك الهرم المجهول إلى عصر الأسرة الثانية.

وتم الكشف في منطقة الجيزة في أقصى الجنوب من الهضبة  وعلى بعد حولي ميل ونصف من هرم الملك خوفو في منطقة جبلية تقع بالقرب من منطقة زاوية العريان بالقرب من بعض مقابر العصر العتيق بتلك المنطقة وعلى بعد حوالى 14 كيلو متر من جبانة سقارة والتي بنى فيها ملوك العصر العتيق مقابرهم الملكية كذلك بنى الأفراد مقابرهم بجوار ملوكهم، ففي منطقة الجيزة عثر Convingon على مقبرة اعتقد أنها ملكية تحيط بها مجموعه كبيرة من مقابر(دفنات) الفقراء وذلك عام 1904 م حيث أن المكتشفات التي أكتشفت بداخلها تدل على أنها من المقابر الملكية ويذكر Convington  أن الموقع تم اختيارة بعناية فائقة من قبل البنائيين نظرًا للطبيعة المنخفضة للموقع.

المصطبة عبارة عن مبنى ضخم يحيط به حوالي 39 مقبرة صغيرة ربما للخدم وتشبه المصطبة في تصميمها تصميم المقابر الملكية في نقادة والتي تم اكتشافها بواسطة مورجان   De Morgan” ” في 1897 م.

ويذكر امري أنه قد أكتشف في الجيزة عن مقبرة عظيمة من عصر الملك “جت” وهي محطمة وتشبه في ضخامتها مقبرة الملك في سقارة، ويعتقد أنها من المحتمل أن تكون ملكية وربما تكون لزوجته التي لم يعثر على اسمها، وهذه المقبرة مثل مقابر سقارة وأبيدوس وكانت محاطة بمقابر للخدم، ويرى بتري أن تلك المقبرة هي مشابهه بشكل كبير لمقبرة الملك جت في أبيدوس وأرجح أنها مقبرة ملكية حيث التصميم المعماري والمكتشفات من أواني فخارية وأدوات مصنوعة من العاج هي نفس التي تم الكشف عن مثيلاتها في أبيدوس من مقبرة الملك جت, والتصميم المعماري لتلك المقبرة وضعت الجيزة في موضع أهمية في تلك الفترة، ولكن ليس مقارنة بأبيدوس أو سقارة، حيث تركزت مقابر الملوك العصر العتيق في تلك المنطقة, وكانت المقبرة مشيدة من الطوب اللبن ومغطاه بألواح من الخشب ويبلغ طول غرفة الدفن 35 قدمًا للطول وعرض 18 قدمًا وعمق 7 أقدام, وكانت جدران تلك المقبرة محاطة بطبقة من الجص، ولم يعثر في تلك المقبرة على أي نقوش أو رسومات في تلك المصطبة.

وفي أعلى الجزء الجنوبي والمقابل لمقبرة الأسرة الأولى عثر على بقايا لمقبرة من الأسرة الثانية لها ممر هابط أغلق بواسطة متراسين من الحجر، ومن التصميم المعماري للمقبرة أثبت “”Quibell أنها تشبه التصميم المعماري إلى حد كبير لمقبرة “سا نخت” أواخر الأسرة الثانية وأوائل الأسرة الثالثة حيث وضع الحجرات وترتيبها بجانب بعضها, وأرجح بتري أن تلك المقبرة ترجع إلى عصر الملك “ني نثر” حيث عثر على أختام عليها اللقب الحوري للملك “ني نثر” من الأسرة الثانية.

قد قام فريق مركز البحوث الأمريكي بعمل حفائر منذ عام 1997والتي كشفت فيها عن المدن السكنية والخاصة بالمدن الهرمية والتي أرجعت استيطان الجيزة إلى الأسرة الرابعة منذ بداية عصر الملك خوفو حيث عثر المدن العمالية للمدن الهرمية لخوفو – خعفرع – منكاورع – خنت كاوس.     

مما سبق نجد أن العاصمة الإدارية للدولة في العصر العتيق بعد عملية التوحيد كانت في منف، وهي قرية ميت رهينة بمركز البدرشين محافظة الجيزة, والتي كانت قريبة من جبانة سقارة حيث عثر على مقابر ملوك الأسرة الأولى والثانية بها، كذلك العديد من مقابر الملكات والأمراء والنبلاء في العصر العتيق، هذا بالإضافة إلى جبانة حلوان والتي كشف عنها “زكي سعد” وبها عدد كبير من مقابر عليه القوم في تلك الفترة، أيضًا أبو رواش والتي عثر بها أيضًا على جبانة ترجع إلى العصر العتيق، وعلى بعد بضع كيلو مترات منها بني أفراد هذا العصر مقابر فقيرة لهم في منطقة منخفضة في كفر غطاطى إلى الشمال من هضبة الجيزة.

كما أن هضبة الجيزة كانت عبارة عن هضبه مرتفعة غير مستوية مما صعب على الأفراد الفقراء في هذا العصر بناء مقابرهم الفقيرة، والتي كانت من الطوب اللبن، فاختاروا أماكن منخفضة لبناء مقابرهم حيث تركوا الهضبة وذهبوا إلى منحدر منخفض في الشمال بكفر غطاطي، بالقرب من زاوية العريان وبنوا مقابرهم من الطوب اللبن، وهي التي عثر عليها جنوب هضبة الجيزة بجوار أهرامات زاوية العريان، أمّا ما عثر عليه من مقابر والتي أشار إليها بتري وكونفكتون  يعتقد أنها ملكية فربما كانت عبارة عن مقابر رمزية لملوك العصر العتيق أو ربما كانت بداية لاستغلال هضبة الجيزة لبناء مقابر ملوك ذلك العصر ثم تم هجرها وبنوا مقابرهم في منطقة سقارة والتي كانت قريبة جدًا من العاصمة الإدارية في منف.

ومن هذا فكان أول استعمال واستغلال لهضبة الجيزة كجبانة يرجع إلى العصر العتيق، ثم تم الاستخدام منذ الدولة القديمة من بداية عصر الأسرة الرابعة من عصر الملك خوفو، فكان البدء في بناء الهرم حيث قام الملك باختيار مكان مرتفع خالي من أي بناءات وقام المهندس بتسوية المكان للبدء في بناء الهرم الأكبر، وكان بناء حيط الغراب إلى الجنوب الشرقي لهرم خوفو ليكون عازلًا بين الجبانة الملكية ومدينة العمال كأول بناء من الحجر في تلك المنطقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق