منوعات
أخر الموضوعات

الطرق التجارية في مصر منذ أقدم العصور

تقرير: محمد فتحي

تعتبر التجارة عاملًا أساسيًا من عوامل النهوض بالاقتصاد المصري القديم ومساهماً في واردات الدخل, فقد أشار “ويسلون” إلى أن الظروف الجغرافية والبيئية أخذت في الاعتبار عند بدء المدنية والاستعمار وتكوين المدن, ويرى أيضا “ويلسون” أن تطور مصر إلى وحده واحدة (مصر العليا والسفلى) لم يكن له علاقة بتطور مدن أو ولايات بل كان نهر النيل له أهمية قصوى في عملية التوحيد.   

عندما تحرك التجارة شيئاً ما فتكشف بعض سمات هذا الشيء إن لم تكن كلها، وعلاقة المنتجات المحلية بالمنتجات المستوردة، وعلي سبيل المثال وجدت الأواني الفخارية الخاصة بحفظ النبيذ من فلسطين والتي وجدت في أماكن متفرقة في أرجاء مصر، ومع انتشار حركة السفن وانتشار الأواني المختلفة والمصنوعة من الطين الغير متاح في وادي النيل والدلتا، بالرغم من هذا كله إلا أن الصانع حافظ على خصائص الصناعة المحلية لهذه الصناعة, وقد حافظ المجتمع المصري في تلك الفترة على الاكتفاء الذاتي وذلك من صناعة الفخار من المواد المتاحة محليًا من خلال هذا الانتاج الضخم من الأواني التى عكست لنا مدى توافر المواد الخام من البيئة المحيطة.   

تقدمت صناعة السفن في الدولة القديمة مما أتاح الفرصة لزيادة العلاقات بين جميع أنحاء وادي النيل والدلتا، واختلفت أشكال السفن والتي كانت تميز كل مجتمع عن غيره, فقد كانت لمصر علاقات تجارية مع العديد من الأقطار المجاورة وذلك لحاجتها للعديد من المواد الأولية اللازمة للبناء والصناعة والزراعة بالاضافة إلى تصدير المواد والسلع المصرية للخارج وتتوسط مصر من الناحية الجغرافية ثلاث قارات هي إفريقيا وأوربا وأسيا لوجود طرق برية من جهة الشرق عن طريق شبه جزيرة سيناء وعن طريق الغرب حيث الصحراء الغربية وفي الجنوب توجد بعض الطرق البرية والنهرية.

فنهر النيل كان له الأثر الأكبر في اتصال مصر بالبلدان المجاورة هذا الأمر الذي ساعد على إقامة علاقات تجارية, بالإضافة إلى الطرق البحرية مثل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر اللذان ساهما إلى حد كبير في ربط مصر بجنوب أوروبا وبحر إيجه إضافة إلى ربطها بأسيا عن طريق سوريا القديمة.

مع بداية الدولة القديمة حوالي 2780 ق.م وقبل ذلك بقليل بدء المصريين القدماء في الاتصال بجيرانهم في الشرق في أسيا عبر سيناء خاصة شواطىء فينيقيا حيث أخشاب الأرز وفي الغرب لليبيا ثم إلى الجنوب حيث بلاد النوبة وأواسط أفريقيا, وقد توطدت هذه العلاقات خلال الدولة الوسطى وزادت خلال عصر الإمبرطورية (الدولة الحديثة), وكان هذا الاتصال أحياناً سلمياً عن طريق التبادل التجاري أو الدبلوماسي وأحياناً أخرى يكون حربياً عسكريا لتأديب من تسول له نفسه الاعتداء على مصر أو غزواً خارجياً لمصر, وقد نشأ عن النوع الأول من الاتصال أيام السلم تبادل تجارى على نطاق واسع، فكانت السفن المصرية تجوب البحرين الأبيض إلى أسيا أو عن الطريق البر والبحر الأحمر للاتجاه جنوباً حيث سواحل أفريقيا وبلاد بونت أو عن طريق نهر النيل أو القوافل البرية.

الطرق التجارية النهرية في مصر كانت أولهما تتمثل في نهر النيل الذى له الفضل الأكبر على المصريين في تيسير الاتصال بين أقاليمه المختلفة منذ أقدم العصور, فقد استخدم المصريون المراكب الصغيرة المصنوعة من سيقان البردي والتي تدفع بالمرادي ذات الشوكتين ثم صنعت السفن الكبيرة من الخشب والمزودة بالمجاديف والأشرعة والتي كانت علي شكل مربع أو مستطيل يثبت على الساري بعوارض وذلك منذ عصور ما قبل الأسرات, ويعد نهر النيل من أهم الطرق التي استغلها المصري القديم لنقل بضائعه من خلاله, وقد أدى تقدم وازدهار صناعة وسائل النقل النهري والبحري في ازدهار التجارة الداخلية والخارجية خاصة التجارة الخارجية بين الدلتا والعالم المجاور وذلك نتيجة تقدم صناعة السفن, وساعد نهر النيل وفروعه على رواج التجارة الداخلية فكانت السفن والقوارب تسير فيه حاملة الفلاحين ومحاصيلهم بين القرى والمدن وكانت الأسواق المحلية تقام في المدن والقرى المختلفة ليتبادل فيها الفلاحون منتجاتهم ومحاصيلهم, وكانت حركة الرياح الشمالية الشرقية أثر في دفع القوارب والسفن جنوباً أما العكس فكان تيار النهر كاف لدفع السفن فيطوي الشراع.

وقد تأثرت الحضارة المصرية القديمة بجغرافيا المكان متمثلة في نهر النيل الذي يعتبر أهم ملمح جغرافي في مصر, لذلك نقول حضارة وادي النيل التى انعكست تأثيراته على الاقتصاد والعقائد والفلسفة وكذلك الناتج المادي بشكل ملحوظ، ويعد نهر النيل بمثابة الشريان الذي يربط بين أجزاء مصر جنوباً وشمالاً وكان مجراه هو طريق المواصلات الرئيسى.

ولا شك أن صناعة المراكب وجدت وسيلة للانتقال عبر النهر وبدأت بشكل بدائي وبسيط على مستوى الأفراد ثم تطورت لتكون صناعة هامة ومعقدة وقد أشار “برستد” إلى هذا النوع البدائي من المراكب الذي استعمل في عبور النهر في مرحلة مبكرة جداً وهي صناعة المراكب من البردي ذلك لأن مصر كانت فقيرة من الأخشاب قبل استيراد الأرز من سوريا، وقد وظف المصري القديم بيئته المحلية لتلك الصناعة من البردي, ولأن أرض مصر تتألف من عنصريين طبيعيين أساسيين هي النهر والصحراء وكان البحر عنصر ثالث لهما يكمل صورة مصر الجغرافية فكان التناظر هو القاسم المشترك في صورة مصر الجغرافية.

نتج عن هذه التضاريس البحريين الأحمر والمتوسط والنيل وواديه والواحات ومنخفضاتها و خط المنخفضات الشمالية في الصحراء الغربية ثم معظم أودية الصحراء الشرقية إلى جانب كثير من طرق المواصلات الطبيعية عبر الصحراويين وانتظمت ثلاثية النهر ,الصحراء ,البحر  في نسق جغرافي موحد، فكانت لكل على حدة شخصية مستقلة وكل عنصر من هذه العناصر تختلف في الدرجة الثانية من الأهمية أو أقل في الدرجة أكثر منها في النوع، بينما تظل الوحدة الأساسية هي القاعدة الأصلية.

الطرق الصحراوية كانت ق=ثانى الطرق التجارية في مصر حيث مارس المصريون القدماء التبادل على الرغم من العزلة الجغرافية لمصر من خلال الصحراء الشرقية والغربية والبحر والأحمر والبحر المتوسط, فقد استخدم المصريون الطريق البري الذي يربط مصر بقارة أسيا من خلال صحراء سيناء فكان التجار يسيرون في قوافل من مصر إلى فلسطين وسوريا, واحتلت طرق التجارة البرية منزلة مهمة في التاريخ القديم إذ انتشرت تلك الطرق عبر الوديان والبحر الأحمر والطرق الخاصة للتعدين أي كانت من الجزء الشرقي وسيناء والدلتا وتلك الطرق منتشرة في شمال سيناء ووسطها وجنوبها.

وهناك بعض الطرق التي تجمع بين البر والبحر إذ تبدأ البعثات السير عبر الأودية في الصحراء الشرقية, كما هناك طريق بري بواسطة الحافة الشمالية والساحل الشرقي لخليج السويس, وتعتبر صحراء مصر الشرقية أو الهضبة الشرقية عبارة عن كتلة صخرية مرتفعة تقع مباشرة شرق النيل وهو أعلى من الصحراء الغربية وأقل مساحة منها ويشقها مجموعة من الأودية الجافة إلى وادي النيل غرباً وإلى البحر الأحمر شرقاً أما جبال البحر الأحمر التي تبدأ من جنوب السويس وحتى الحدود المصرية السودانية فليست سلاسل متصلة ولكنها متوازية في محاذاة بعضها البعض وينحصر بينها وبين البحر شريطاً ساحلياً وتتميز تلك المناطق بوجود أشجار وخزانات مياه طبيعية, حيث تنساب المياه على هيئة سيول نحو البحر أو النيل لتخزن في أبار في باطن الأودية, وفي الصحراء الغربية طريق درب الأربعين والذي يبدأ من أسيوط على النيل إلى الواحات الداخلة ثم الخارجة مروراً بالقصر مقابل كوم أمبو إلى محاجر الديوريت ويمتد جنوباً حتى يصل إلى تابو على النيل جنوب الشلال الثالث.

وطريق آخر يبدأ من الفيوم عبر وادي الريان إلى الواحات البحرية ثم الفرافرة فيلتقي بدرب الأربعين عند الواحات الداخلة ويستمر جنوباً إلى الشب مقابل أبو سمبل إلى محاجر الديوريت  ثم واحة سلمية فيلتقي بدرب الأربعين مرة أخرى إلى تابو ويعرف بدرب الطرفاوي ويوجد طريق آخر هو وادي شط العرب يخرج من النيل مقابل أدفو ليصل إلى درب الأربعين وآخر من الواحات الخارجة إلى فرشوط وآخر إلى أسنا وآخر من محاجر الديوريت إلى النيل عند توشكى جنوب وادي العلاقي وطريق آخر يبدأ من الشب مروراً بمحاجر الديوريت إلى وادي حلفا في صحراء النوبة الشرقية.

توطدت علاقة مصر بالمناطق المجاورة خلال عصور ما قبل الأسرات فكانت تحصل على النحاس والأصداف والأحجار الكريمة من منطقة البحر الأحمر  وكانت تستورد الذهب من النوبة والنحاس والمنجنيز من سيناء والقار من البحر الميت والفضة وبعض الأحجار الكريمة والأخشاب الجيدة من بلاد غرب آسيا واليونان وكان هناك اتصال بين مصر وبلاد غرب أفريقيا من الشمال مثل الجزائر وكذلك جنوب أوروبا ومنطقة الهلال الخصيب والعراق ويرجح البعض إلى هذه الصلات لأن مصر كانت خلال هذا العصر قد أحست بالانتعاش وازدهارها وحاجتها إلي بعض المواد الأولية التي لم تكن موجودة لديها ومن ثم قامت باستيراد تلك المواد من الخارج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق