منوعات
أخر الموضوعات

المسرح الروماني

تقرير: محمد فتحي

تم اكتشاف هذا المبنى عن طريق الصدفة, فقد كان هذا الموقع يشغل تل ترابي أطلق عليه تل “كوم الدكه”, وقد حدث كثير من المناقشات حول تفسير هذا الإسم فهناك من يعتقد أن معناه هو كوم المقاعد حيث أن كلمة الدكه تعني المقعد بدون خلفية, وهناك من يعتقد أن معناه هو كوم التراب المضغوط ذلك لأن الدكه بفتح الدال تعني التراب المضغوط.

وقد أثبتت الحفائر والدراسات الأثرية مع التطور الطبوغرافي لهذا التل وجود الكثير من المباني العامة والسكنية في أجزاء عديدة من موقع التل الترابي, وفي الفترة السابقة لبناء المدرج كان يشغل هذه المنطقة حي سكني كامل وأول من فكر في الخوض في كشف أسراره هو “الكولونيل هوجارث” وقد وصل بالفعل إلى مستوى الحمامات الرومانية والسراديب الملحقة بها.

ويعتبر هذا المبنى الأثر الوحيد من المباني الدائرية العامة في مصر والذي يرجع للعصر الروماني, ذلك لأن ما سجله علماء الحملة الفرنسية من مباني دائرية بالقرب من الحي الوطني ومبنى آخر في “أنتينوبوليس” أختفى أثرها تماما ولم يبق لنا دليل على وجودهما, لذلك فإن مدرج كوم الدكه يتميز بكونه المبنى الوحيد من نوعه في مصر حالياً, وقد مر المبنى بمراحل معمارية أضيفت عليه العديد من الظواهر المحلية التي لم نجد لها مثيلا في مباني آسيا الصغرى وإيطاليا, والمبني على شكل حدوة الحصان, فالجدار الخارجي للمبنى تم بناؤة من الحجر الجيري والطوب الأحمر على الطريقة الرومانية, ويبلغ اتساع قطره من الداخل 33,50م ويتخلل هذا الجدار 17 عمود مبني من الحجر الجيري كبير الحجم, ويتميز عن الأحجار المستخدمة في شغل المساحات بين هذه الأعمدة والتي استخدمت فيها ثلاث مداميك من تربيعات الطوب الأحمر, ويتخلل هذا الجدار مدخلان على محور واحد الأول جهة الشمال والثاني جهة الجنوب, وفي أقصى الطرف الجنوبي إلى الغرب الذي يوجد به باب داخلي يؤدي إلى إحدى الحجرات التي تقع خارج الجدار الجنوبي والذي من المؤكد أنها كانت ملحقة بالمبنى.

أما الجدار الداخلي والأوديتوريوم حيث بلغ اتساع قطر هذا الجدار 13,5م ونلاحظ أنه مبني بكتل من الحجر فقط دون استخدام الطوب الأحمر وهي كبيرة الحجم وهي نفس مقاسات أحجار دعامات الجدار الخارجي, وبني هذا الجدار حيث يعتمد على أقواس فتحة الفوماتوريا, لتحمل ضغط المقاعد والسقف عند تلاقي الجزء المنحني بالخطين المستقيمين وهذه الفتحة عبارة عن ممر قبوي, يحمل السقف ثم تشغل الفراغات ببناء حجري ليتحمل ضغط أقوى.

ويحمل الجدار الداخلي صفوف المقاعد وهي في الأصل من الرخام ماعدا الصف الأول السفلي فهو من الجرانيت الشرقي الوردي وربما استخدم كرباط لتحمل ضغط الصفوف العليا لصلابته وقوة تحمله, أما المقاعد فكانت ستنتهي عند الدرج الداخلي المؤدي للمدرجات ثم لاحظ المهندس صغر حجم المبنى فتعمد مد صفوف المقاعد وتغيير محور المبنى ليصل إلى الشارع الرئيسي وقد كانت الصفوف الثلاثة السفلية تنتهي عند الدرج الداخلي من الجانبين, وتلاحظ أن الرخام المستخدم في مقاعد الجلوس من المرحلتين كان ينتمي لمباني أخرى سابقة من العصر “الهللينستي” في آسيا الصغرى واليونان فضلاً عن مباني أخرى في إيطاليا حيث نلاحظ أنواعاً مختلفة من الرخام منها رخام كراره ومصدره الرئيسي بلاد اليونان ورخام بوتشليونو ومصدره ايطاليا بالإضافة إلى الرخام نجد مواد محلية تتمثل في الجرانيت الوردي والرمادي.

وعن أرضية الساحة “الأوركسترا” فكانت تكسوها بلاطات من الرخام وعند طرفي الجدار الداخلي وفي أرضية الأوركسترا توجد دعامتان مربعتان من الرخام تحمل كل منها نقشاً “جرافيتي” محفورا بآلة حادة.

يسبق الأوركسترا جهة الغرب صالتان مستطيلتان بينهما ممر يتصل مباشرة بأرضية “الأوركسترا” مما يؤكد أنه كان يطل على الشارع الرأسي المكتشف إلى الغرب من المدرج والمسمى تجاوزا شارع المسرح, وكانت أرضية الصالتين مغطاة بالفسيفساء ذات زخارف هندسية باللونين الأبيض والأسود, أما أرضية الممر فكانت تكسوها بلاطات رخامية من نفس نوع أرضية “الأوركسترا” مما يؤكد أنها وحدة واحدة, وعلى الجانب الجنوبي من الصالة الجنوبية يقف عمودان من الجرانيت فوق قاعدة رخامية وهي ناقوسية عليها زخارف منحوته غير مكتملة لورقة الأكانتوس مثل هذه القواعد ذاع استخدامها في الإسكندرية في العصر الروماني وقد تكون ثنائية أو ثلاثية أو خماسية وتدلل قواعد الأعمدة المستخدمة في مدرج كوم الدكه أن هذه الزخرفة قد تمرن عليها الفنان السكندري حيث تلاحظ أن الصف السفلي مكتمل بينما الصف العلوي غير مكتمل حيث توجد مواضع تحديد الزخرفة ومكان ثقوب الأزميل لعمل العمق اللازم في النحت, غير أن عدم اكتمال هذه الزخارف يشير إلى أن الفنان كان عليه أن ينتهي من العمل في وقت محدد فلم يستطع أن ينهي عمله تماماً وربما كان هناك تاريخ محدد من قبل لاستخدام المبنى عقب إعادة بنائه بعد الزلزال.

أما عن سقف المدرج المفقود حالياً فمن المؤكد أنه كان على شكل قبة مبنية من الطوب الأحمر حيث إنه عثر على بقايا أجزاء تنتمي لقبة تغطي الجانب الشمالي من مقاعد “الأوديتوريوم” ويبدوا أن هذه القبة قد تهدمت وسقطت في اتجاه الشمال حيث غطت الجزء الشمالي فقط من مقاعد “الأوديتوريوم” بينما ظل الجزء الجنوبي مكشوفا فهبطت معظم مقاعد الرخام منه لتستخدم في صناعة شواهد القبور والذي عثر على كم كبير منها في التل.

من المرجح أن هذا المبنى قد بني في القرن الثالث ثم هُدم نتيجة زلزال مدمر الأرجح أنه زلزال عام 535م فأعيد بناءه مرة أخرى عقب الزلزال وبمخلفات المرحلة الأولى ويؤكد تلك العناصر المعمارية المختلفة, ومن المعروف أيضا أن استخدام الحنايا والعقود والقواس والقباب قد زاد بكثرة في عهد الإمبراطور “جستنيان”, وهي العناصر التي استخدمت في مبنى كوم الدكه ويبدو أن المبنى قد ظل مستخدما حتى الفتح العربي عام 641م وأنه نظراً لإنتقال العاصمة إلى الفسطاط فلم تكن هناك حاجة لمثل هذه النوعية من المباني فأهمل وتهدم فيما بعد وسقطت القبه لتغطي جانباً واحداً فقط ثم هجر المبنى ليستخدم كمصدر للرخام لعمل شواهد القبور ثم في القرن الثامن الميلادي استخدم للدفن كما تؤكد تلك الجبانة التي عثر عليها أثناء عملية الكشف عن المبنى وقد ظل مستخدماً كجبانة طوال القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلادي حيث توجد ثلاث جبانات متتالية كان أحدثها العليا في مستوى المقاعد العليا من المدرج.

أما الآراء حول المبنى فهناك من يظن أن هذا المبنى “أمفيتياتر” لأن مقاعد الجلوس تحيط بالمساحة من جميع الجهات, ويرى آخرون أن هذا المبنى (صالة اجتماعات سياسية) حيث عثر على شعار الدولة “البيزنطية” أو أنه كان مقراً للحزب الحاكم في نفس الوقت, ورأى آخر يرى أنه مسرح حيث اعتبروا الدعامتين المربعتين كانتا لحمل خشبة المسرح بينما نجد أن الدعامة الشمالية تحمل نقشاً على الجانب الجنوبي والغربي أي لابد أنها كانت مكشوفة من جميع الجهات ويبدو أنها خصصت لحمل شىء ربما عمود من الجرانيت ليساعد في حمل القبة أو لوضع تمثال للإمبراطور, والرأى المؤكد بأنه أوديون استناداً على وجود الأعمدة أن هذا المبنى كان مسقوفاً وهي إحدى خصائص الأوديون المعمارية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق