مقالات
أخر الموضوعات

التنمر يُدمر

بقلم: دينا مسعد

 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ“، صدق الله العظيم، هذه الآية الكريمة التي ذُكرت في كتابنا العزيز والتي نهانا فيها الله -عز وجل- عن السخرية بالناس واحتقارهم والاستهزاء بهم، فأصبح الآن من العادات السيئة والظواهر السلبية التي انتشرت في عالمنا مؤخرًا ظاهرة “التنمر”، هذه الظاهرة التي تخفي الكثير من السموم خلفها، فالبعض منّا دائمًا ما يتعرض لسخرية الغير منه لأسباب ليس لديه يد في وجودها، الأمر الذي يجعل منّا أحيانًا أناس غير راغبين في الحياة، نصارع الاكتئاب باستمرار، ننغلق على أنفسنا، لا نحب التعامل مع أحد حتى لا يستهزئ بنا ويسخر منّا، إنه التنمر، والذي يعد أحد أشكال مُمارسة العنف من قبل شخص أو مجموعة من الأشخاص ضد شخص أخر بهدف إزعاجه والسخرية منه أو التقليل من شأنه وإهانة كرامته.

لماذا نخلق بأيدينا وتصرفاتنا الغير عقلانية بشر محطمين نفسيًا، ليس لديهم ثقة في أنفسهم؟، هل تعلم أنت كشخص متنمر أنك تدمر إنسان وتحطمه بإيذائك هذا له؟، أعلم جيدًا ما مررت أنت به جعل منك إنسان غير سوي، تحب أن تؤذي غيرك وتسيئ له، بل أحيانًا تستلذ بفعل هذا، ولكن هل فكرت يومًا ما ذنب هذا الشخص الذي لم يفعل لك شيء؟، هل ستعاقبه هو عمَّ حدث لك من قِبل الغير؟، وهل ستشعر بالسعادة كونك فعلت معه ما تعرضت أنت له من قبل؟.

 اعلم عزيزي أنه لا ذنب له فيما واجهته أنت في حياتك، كما أننا نعلم أيضًا أنه لا ذنب لك في هذا الشيء، فأنت ضحية لأشخاص فاسدين، ولكن عليك أن تصلح من ذاتك وتقومها، وتقاوم نفسك ورغبتك في فعل السيىء للأشخاص الآخرين، ولا تجعلهم يمرون بما مررت أنت به، ولا تقوم بأذيتهم وتدمرهم وتفقدهم شغفهم وحبهم للحياة.

التنمر، هذا الفعل الغير مقبول الذي أصبح يقوم به الكثير من البشر صغار وكبار، إن دور الأسرة هنا هو الأكبر والأثقل في توعية أولادهم فيما يخص هذا الأمر ويأتي من بعدهم دور المجتمع الذي لا يمكن أن نغفل عنه أبدًا، يجب تهذيب الطفل منذ صغره وتربيته جيدًا وتوعيته بخطورة التنمر وأضراره الكثيرة التي لا تؤثر فقط على الطفل أو الشخص المتنمر عليه، ولكن تصل خطورتها إلى تدمير جيل بأكمله، فمن تعرض للتنمر سابقًا، صار يمارسه الآن على غيره؛ وذلك لما تركه التنمر في نفسه من آثار سلبية جعلته يغُمض عينيه عمّا هو صحيح أو جيد، بل جعلته يتطرق دائمًا إلى فعل كل ما هو خاطئ ومؤذي للغير، ولكن لا يدرك الشخص المتنمر أنه بهذا الفعل يدمر نفسه أكثر من محاولته تدمير غيره، فيجعل نفسه مكروهًا ومنبوذًا من الجميع، لا يحبه أحد ولا يرغب شخص بالتعامل معه مطلقًا، فما هذه الدائرة التي حُبسنا نحن بداخلها؟، أصبحنا وكأننا في ساقية، نلف وندور في حلقات ليس لها نهاية.

كم من حادثة وقعت بسبب هذا الشيء اللعين الذي يسمى تنمر؟، كم من شخص أقبل على الانتحار بسبب ما تعرض له من سخرية؟، منهم من ساعده حظه وعادت له حياته مرة أخرى، ولكن منهم أيضًا من ودّع الحياة بالفعل؛ بسبب المضايقات التي تعرّض لها، هل مُدرك أنت كشخص متنمر ماذا فعلت بإنسان لم يتسبب لك بأذية مطلقًا؟، هل يستوعب عقلك أنك تسببت في موت شخص برئ كل ذنبه في الحياة أنه صادفك؟، هل تعلم أيها المتنمر حجم الذنب الذي حملته على ظهرك بسبب أذيتك لغيرك؟، بالطبع لست مُدرك!.

يجب أن نجد حل لننهي هذا الموضوع، يجب أن نتمكن من السيطرة على هذا الأمر ونقتلعه من جذوره، فيكفينا ماحدث لنا ولأولادنا منه، بل ما حدث لمجتمعنا والعالم أجمع أيضًا، يكفينا هذا التدمير الذي أصابنا، إلى متى سنظل غافلين عن هذا الشيء؟، يا كل أب ويا كل أم أفيقوا وانتبهوا لأولادكم، ازرعوا فيهم الخير وربوهم على ما أمرنا به الله ورسوله الكريم، وما حثنا عليه ديننا وما نهانا عنه أيضًا، فأنتم من بيدكم كل شيء وأنتم وحدكم من تستطيعون التحكم في أولادكم منذ صغرهم فكما قيل “التعليم في الصغر كالنقش على الحجر”، وكما ذكرنا أن الدور الأكبر والأهم يقع على عاتق الأسرة فيجب المحافظة على العلاقة والتعامل بين الآباء والأبناء فهي التي تحدد شخصية الطفل منذ صغره، وكذلك هناك دورًا هامًا وكبيرًا على مؤسسات التعليم، فيجب أن تهتم مدارسنا أيضًا  بغرس القيم الجيدة وتوعية الأطفال بخطورة التنمر وأضراره فالتنمر يهلك ويدمر.

وكن على حذر أيها المتنمر واعلم أن من وهبك هذه النعم التي جعلتك ترى غيرك أقل منك، وجعلتك تسخر منه وتمارس التنمر عليه، قادرًا على أن ينتزعها منك، أمّا إن شكرته وحمدته على نعمه فسيبارك لك فيها ويزيدك من فضله, فاللهمّ اصلح حال أطفالنا إلى أحسن حال، اللهمّ احفظ لنا أولادنا وابعد عنهم كل ما يضرهم، واحفظ لنا مجتمعنا وبلادنا واصرف عنّا كل شر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق