مقالات
أخر الموضوعات

حكايتنا من إيطاليا

بقلم: سها سمير

قصتنا اليوم ستكون من إيطاليا حيث تعيش “تريزا جيوشيلي” صاحبة الثمانين عاماً بمفردها  في منزلها, لايؤنس وحدتها إلا عصفوران كناريا صغيران تطلق عليهما “كارلا و بولا فكانا”, وكما يُقال بالمصري (واخدين بحسها) فكان صفيرهما يملأ جنبات المنزل بهجة وحياة.

وبطبيعة الحال ولدت ألفة قوية بينهم فكانت عندما تكلمهما يتردد صفيرهما وكأنهما يردوا علي حديثها, ولو سكتت يصفرا حتي تكلمهما, هذه علاقة لن يفهمها إلا من يمتلك نفس احساس “تريزا”, وكأي يوم طبيعي وأثناء وقوف “تريزا” في المطبخ فجأة فقدت توازنها ووقعت بسبب عوامل الشيخوخة وبدأت الإحساس بفقدان لوعيها وفي تلك الأثناء لم يشغلها إلا سؤال وحيد سألته لنفسها, وهو ماذا سيكون مصير “كارلا وبولا” لو حدث لها مكروه؟, خاصة أنها عاجزة عن القيام من موضع سقوطها لتفتح باب القفص لهما أو لتطلب النجدة, فكانت متأكدة أن نهايتها أوشكت وستموت وهي وحيدة ولن يشعر بها أحدا وقد تمر عدة أيام حتي يتم معرفة ذلك.

لا يصرخ بداخلها  سوي ذلك السؤال, ماهو مصير العصفورين؟ بالطبع سيموتوا جوعاً وعطشاً, ولذلك علي الفور استجمعت كل ماتبقي لها من قوة وزحفت رغم آلامها الشديدة التي كانت تعانيها حتي وصلت للقفص الصغير الموجود به “كارلا وبولا”, وكانت كلها تصميم علي فتحه كي ينطلقا وتنقذهما من الموت المحقق, وبالفعل استطاعت ان تفتحه وخرجا منه وطارا من شباك المطبخ الصغير.

كان ذلك آخر ما شاهدته, لأنها قد أغُمي عليها بعد ذلك المجهود الكبير التي قامت به, والأمر العجيب هو أن “كارلا و بولا” لم يتركا “تريزا” بل طارا خارج المنزل ووقفا فوق سور الشرفة المطلة على الشارع وظلا يغردا ويصفرا وملأ الشارع بصوتهما.

بالطبع ذلك المنظر الغريب قد لفت أنظار الجيران لأن “كارلا وبولا” كانا معروفان للجميع والكل يعلم مكانهما داخل القفص في منزل “تريزا” وليس خارجه, ومن اليقين أن هناك شئ  غير طبيعي قد حدث, فخافوا على العصفورين من الضياع فذهبوا لمنزل “تريزا” وطرقوا الباب عدة مرات ولكن لا إجابة, ومن هنا ازداد اليقين بأن هناك كارثة قد حدثت, فما كان منهم إلا الاتصال بالإسعاف والشرطة و أخيرا تم فتح باب البيت.

كانت “تريزا” مغمى عليها ومصابة بكسور في ساقيها وتم نقلها للمستشفى للعلاج, وعندما افاقت تريزا من غيبوبتها .. قالت وهي تنظر علي عصفوريها الجميلين “كارلا وبولا”.. “كنت اعرف أنهما كل ما بقي لي في هذه  الدنيا, هما أحبابي .. وأنقذا حياتي“, وقال رجال الشرطة  وهم مازالوا في حالة ذهول ودهشة انتي لا تعرفي بقية القصة وهي بعدما تم انقاذك سكت ضحيجهما, ودخلا القفص بنفسهما كأنهما قد رجعا لمنزلهما, وكأنهم قد عرفا انك أصبحتي في أمان, فكان من الطبيعي بل أقل ما نفعله هو أن نغلق عليهما باب القفص, ونأخدهما معانا كي يكونا بجانبك ويكونا أول ماتقع عليه عيناك بعد استردادك لوعيك”

ومن هذه القصة نستنتج بأن هناك أوقات كثيرة تتولد علاقات ومشاعر لا أحد يستطيع تفسيرها, ولايمكن أن توضع تحت أي مسمي أو أي شروط , فالتجاذب والونس الذي يحدث بين الأرواح البريئة أمر خلقه الله وجعله حكمة وأية من آياته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق