مقالات
أخر الموضوعات

ببلومانيا وفنجان قهوة

بقلم: إسراء إسماعيل

كنت اؤمن دائما بمقولة (ما زاد عن حده انقلب ضده) وكنت أعلم تماما أن القلب إذا تعلق بشئ حتي لا يري سواه فما هو إلا مرض نفسي يجب معالجته، ولكني مؤخرا توقفت عند مصطلح صادفني يُدعي الببلومانيا والذي قد أطلقه علماء النفس علي حالة الهوس بإقتناء وتجميع الكتب، فلم اتخيل قط أنه يمكن لذلك الشخص الذي يهوي القراءة أن تصل به درجة حب الكتب إلي حد والمرض، الذي يجعلك تبدو غير طبيعي إذا رأيت كتاباً، وتصبح في حالة من النهم لقراءة كل ما هو جديد لتغوص داخل جدران مكتبتك المليئة بالكتب والتي تكبدت المتاعب لتكوينها، بل و الوقوع في غرام رائحة تلك الكتب القديمة والتي لن تستطيع تحديد إذا ما كانت رائحة غبار أم رماد أم عطر.

فالذي جعل التاريخ يثبت هنا انه ما من عبقري أو مبدع سلم من هذا الدواء هو الشاعر اليوناني “يوريبيديز”, والكاتب الروسي “باسترناك” هما من اخذوني تلقائيا للتفكير في ذلك المشهد الذي يعيشه عالمنا اليوم المكون من فنجان القهوة، ونسمات الهواء التي تحمل نغمات فيروز معها، أثناء قراءة رواية _الأكثر مبيعا في الغالب_ لكاتب حديث العهد بالكتابة ليصبح صاحب هذا المشهد أحد المثقفين في الوقت الحالي وتصبح الكتابات العامية لذلك الكاتب هي مصدر ثقافته حتي أصبح اجتماع هذه السمات ضرورة تكفل لك حق الدخول إلي مجتمع القراء، الذي اقتصر لديه مفهوم حب القراءة علي هذه الأشياء وجعل من القراءة فعل خارق للعادة لا ينطوي تحت الممارسات الإعتيادية التي يقوم بها الفرد، دونما المحاولة البائسة للإعلان عنه داخل بروفايلات السوشيال ميديا لتصبح عندها أشبه “ببلومانيا كذابة”.

ولكننا هنا نجد انفسنا نظلم رائحة القهوة وفنجانها، والسيدة فيروز بالطبع وكلماتها، لمشاركتهم في ذلك المشهد السابق الذي حاول ان يصف جيل يعيش حالة ثقافية غير صادقة، اعتمدت علي الهالات أكثر من المحتوي والهدف، جيل لم يعرف لماذا يقرأ ولكنه عرف بالكاد ماذا يقرأ.

فعلي الرغم من ان الببلومانيا أُدرجت علي أنها من أعراض الوسواس القهري، الذي يؤدي إلي ان يؤذي تجميع الكتب بهذا الشكل الزائد حياة الشخص الإجتماعية أو الصحية، فأنا اجزم بعد ما نعيشه اليوم ان الببلومانيا مرض لذيذ كفيل بأن يخرجنا من تلك الحالة الثقافية الغير صادقة إلي وعي حقيقي بما نقرأ ولماذا نقرأ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق