مقالات
أخر الموضوعات

شُباك التذاكر

بقلم: رواء حسن

“مبهرة وجميلة وخيالية ومرآة للواقع الذي نعيشه”، هذه هي الكلمات التي تصف السينما والدراما .. في بدايتها كانت ضرب من ضروب الخيال الذي لا يمكن أن نتصوره، واندهاشنا وإعجابنا بها وصل إلى حد الجنون .. تتمثل في أول فيلم صامت يحمل اسم “زينب” لمؤلفه الدكتور والأديب “محمد حسنين هيكل” ولأن السينما والدراما ليست مجرد حكاية تروى، بل هي قصص مختلفة تؤثر بنا، وتعرض واقعنا وتمثله وتعبر عنه، وكذلك ما تصوره لنا من أماكن ومناظر داخل مؤسساتنا وآثارنا ومعمارنا، كل ذلك يُكتب ويُسرد في التاريخ، إذا ما أردنا العودة إلى زمن ما، فنحن إما أن نقرأ الكتب التاريخية أو نسترجع الدراما والأعمال التليفزيونية التي كانت تعرض في تلك الفترة، ونعرف منها واقعهم وطرق معيشتهم وأنواع وأشكال ملابسهم، فالدراما ليس مجرد سرد للواقع الحالي فقط، بل هي مرجع وامتداد وسند للمستقبل.

أثار إعجابي أيضًا رد الفنان الراحل “أحمد زكي” عندما سُئل عن طبيعة السينما فجاء رده: “بأنها ترصد الواقع بكل شخوصه، وترى كل مشاكله، وتظهر لنا فرحه وانتصاراته وانكساراته، فهي تعبر عن الإنسان والمجتمع، وإيقاع الحياة السريع”, فكثيرًا ما يجول في خاطري، لماذا جيلنا الحالي يميل إلى متابعة الأفلام والمسلسلات الأجنبية والتركية والهندية وغيرها؟ وقليلاً منّا من يتجه إلى مشاهدة مسلسلاتنا؛ وإذا بي أبحث عن إجابة لهذا التساؤل فتكون من أبرزها هي نجاح هؤلاء في عرض قصص مشوقة مليئة بالأحداث الخيالية والواقعية، وإبراز مظاهر الجمال لدى بلادهم وتصويرها على أتم وأروع صورة، نجاحهم في عرض عديد من المحتويات سواء كان درامي أو كوميدي أو تراجيدي أو تاريخي، تمسكهم بثقافتهم وإبرازها، فنعرف من خلالها بعض من العادات والتقاليد الموجودة لدى هذه البلاد.

ولا شك لديّ بأننا نملك من الجمال في بلدنا الكثير والمتنوع، ونملك العديد من الثقافات والبيئات الصعيدية والنوبية والساحلية وغيرها، ولكن نعرضها بصورة خاطئة وغير صحيحة في بعض الأحيان، وكذلك الأماكن التاريخية والتراثية التي لا مثيل لها, فنجد أن بعض الأعمال الدرامية حصرت بعض البيئات في قالب معين ثابت لا يتغير، فنجدهم إذا ما عبر أحد المؤلفين عن البيئة الصعيدية فيصورها على أنها مباني قديمة وبدائية، وشوارع غير حضارية تعج بالحيوانات، وأما عن الملابس فتكون جلباب وعمة، وإذا ما نظرنا إلى القضايا المطروحة، فنجدها ما بين الثأر وزواج القاصرات والبلطجة والميراث والعنف ضد المرأة وخلفة الولد، في حين أن هناك العديد من القضايا والمشكلات الملموسة والمختلفة داخل المجتمع الصعيدي والذي تغير ملامحه عن الماضي، فتجد مباني ومعمار فاخر، وتجد تنوع ثقافي وفنون وعلم، وتجد أُناس ذو أصل ونسب وتنوع في جميع الأزياء والملابس.

فإن كانت السينما والدراما مرآة المجتمع، فعلى صُناعها أن يحسنوا عرض هذه المرآة، لا بتزيف الواقع ولا بعرضه بكافة صورة المشينة، فكل مجتمع يعج بالمساوئ والمحاسن، فلنحسن عرض صورة مجتمعنا وبلادنا، فلا حاجة لنا بتصوير مشاهد العنف والبلطجة، ولا صور الراقصات والمهرجانات، ولا التنمر والسخرية من الأخر واستعراض القوة في غير موطنها, وإذا توجب علينا عرضها فنقدمها من باب الأخذ بالاعتبار، وإيجاد الحلول لمواجهتها وعرضها كنماذج سيئة لا يتخذ بها، وليس كنماذج قدوة وناجحة وتوسيع مساحة ومشاهد الجزاء الذي سينوله كل فاسد، ومصير كل من يمشي ف الطريق المجهول والمبهم، فلا نقتصر على عرض مشهد أو اثنين في ختام الدراما بانتصار الخير على الشر.

وإذا ما سألت أحد من صناع السينما والدراما لماذا تقوم بعرض هذه البذاءات؟, سرعان ما يكون الرد بأن هذا ما يفضله الجمهور ويطلبه شُباك التذاكر, في حين أن صناع السينما نجحوا في إنتاج فيلم “الممر”، والذي لقى ترحيبًا وإعجابًا كبيراً من الجمهور، وغيره من الأعمال الذي قدمت واحترمت رأى وثقافة الجمهور؛ فتجاوب معاها الجمهور بشكل هائل، وكذلك أفلام ودراما الخيال عندما توجه الجمهور إلى متابعة سلسلة “ما وراء الطبيعة”، والنجاح والصدى الذي حققه هذا المسلسل كان خير دليلٍ بأننا إذا أحسنا العرض والأداء؛ سوف يلقى ترحيب وحب وإبهار من الجمهور والمتفرج.

فإني أؤمن بشدة  بدور السينما والدراما في تغير ثقافة الشعوب، كذلك دورها في أن تؤرخ  الفترات الزمنية التي نمر بها، وإن كنّا بحاجة إلى موهوبين حقيقين في كتابة قصص تجمع ما بين الواقع والخيال والتراث وغيرها فمن الممكن أن نقوم بعمل مسابقة حرة، وبرامج تحمل نفس أفكار مسابقات موهوب العرب، أو أحلى صوت، أو مذيع العرب يكون تحت اسم “مؤلف العرب”، وتكون جائزته هو تنفيذ الفكرة الدرامية، ويكون تحت إشراف نخبة من المؤلفين والمنتجين ذوي الخبرة، فنفتح المجال للمؤلفين الصاعدين الذين يمتلكون مواهب حقيقية، ونسمح لهم بعرض قصصهم وخيالاتهم لإحداث التنوع الثقافي؛ لنشر المعرفة وتقديم محتوى ذات مغزى وقيمة، يكون إرث سينمائي وثقافي تتوارثه الأجيال؛ فتستفيد وتتعلم من ماضيها، وتكون الدراما خير شاهدة على أحداث وقضايا العصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق