مقالات
أخر الموضوعات

خدعوك فقالوا:”الزمن بينسي”

بقلم: دينا مسعد

“النفس لا تفقد شيئًا من مضمونها، لا يوجد شيء اسمه نسيان، كل إحساس وكل تجربة وكل خبرة وكل عاطفة مهما بلغت من الهوان والتفاهة لا تفنى ولا تستحدث، وكل أسرار قلوبنا ووجداننا غير قابلة للاندثار، كل ما في الأمر أنها تنطمس تحت سطح الوعي وتتراكم في عقلنا الباطن، لتظهر مرة أخرى في أشكال جديدة، في زلة لسان، أو نوبة غضب، أو حلم غريب ذات ليلة”.. هذا ما قاله الدكتور “مصطفى محمود” عن النسيان.

ما علاقة الوقت بالنسيان؟، كيف يعتقد البعض منّا أن الوقت قادر على أن يمحي ذكرى ما بداخلنا؟، ماقيمة قانون الوقت الذي انتهت فيه حياة إنسان عزيز عليك؟، وما حاكم ذلك الوقت؟.

نعم، لا يوجد شيء يسمى النسيان، فالنسيان ماهو إلا خدعة نخدع بها أنفسنا، نتدرب جيدًا عليها؛ لنتمكن من العيش ونقوى على الحياة، فكيف لك أن تنسى؟!، ليس هناك أحد منّا قادر على أن يمحي ذكرى ألمته، وكسرته، وربما قتلت روحه ولكنه مازال يعافر في الحياة بجسده،”فإن مرت الأحداث بالوقت.. فلا يمر أثرها”،”ربما العقل ينسى.. لكن القلب يتعلق”.

عجبت كل العجب لأكذوبة مثل هذه، هل معنى مرور الزمن أننا سوف ننسى.. بعيدًا عن الذكريات الجميلة التي تظل محفورة بداخلنا إلى مماتنا والتي تنشرح قلوبنا بتذكرها دائمًا، ولكن حديثي هنا عن ذكرى مؤلمة، ربما كسرت قلبي وحطمته.. فمنذ أعوام مررت باختبار ثقيل كان يصعب على مثلي تحمله، ولكني تحملت.. رحل عن حياتي إنسان غالي كان له تأثير قوي بها.. مرت الأيام والليالي والشهور والأعوام، ولكني مازلت أبكي وأفيض بالدموع عند تذكره.. مازلت أحتفظ بصورته بالقرب مني دائمًا؛ اعتقادًا مني أنه هكذا بجواري كما كان قبل رحيله، نحن لا نستطيع النسيان، ربما نتناسى ولكن قلوبنا التي أهلكها الحزن لا تنسى، فذلك الوقت الذي ابتدعه البعض ماهو إلا خرافة ومزحة سخيفة.

فقيد قلبي، تؤام روحي، صديقي الحنون، أبي الثاني، وأخي الكبير.. عمي الغالي سلامًا على روحك الطاهرة، يا من تركت روحي محطمة عند رحيلك، يا من أبكيتني دمًا فالدموع قليلة على فراقك، انقسم قلبي نصفين حزنًا عليك، لا تتعجب فإنه يعلم أنك لن تكرر في حياته مرة أخرى.

مرت الأيام والشهور والأعوام، ومازال قلبي ينفطر عند ذكراك، يا من كبرت على يده، يزداد حُزني عليك كلما مرت الأيام، يقول البعض “أن الزمان قادر على شفاء القلب من ألم الفقد، والنسيان حل لكل شيء”، ولكنهم خدعونا، فلا يوجد نسيان، بل يوجد صبر، يوجد تحمّل، إنني أصبر على رحيلك، رغم مرارة الصبر، إنني أتحمّل ألم فراقك، إنني أتذكرك كل ليلة قبل نومي عسى أن أراك في أحلامي.

ربما أرادوا بالقول “أننا مع الوقت نعتاد”.. نعتاد الألم والوجع.. نعتاد الفراق.. نعتاد الدموع والحزن.. نصبر ونرضى على ما أصابنا، أمّا أن الزمن دواء لكل هذا الألم فكذبوا، فالوقت بلاء يمتحن صبرنا.

أشعر بالاختناق إن مرت ليلة واحدة دون مرورك بذاكرتي.. لم يعد لي سوى الأحلام، هي فقط من تجعلني أصبر وأتحمّل، والله لم يمس قلبي ضيقًا كضيقي حينما رحلت، فعذرًا يا حبيبي الغالي، لا أملك سوى قلبًا ينزف وعينًا تذرف ولسانًا يدعو لك, كل شيء أصبح يمر ببطء بعد رحيلك، الساعات واقفة والدقائق ساكنة والثواني هادئة ترغب بقتلنا، مازلت أجلس وأنظر إلى صورتك وأتألم حتى ينتهي بي المطاف إلى بحر من الدموع، بكاء لا يوقفه إلا الدعاء لك, أعلم أنك لا تسمعني ولا تصل كلماتي إليك، ولكني أحب أن أخاطبك وكأنك تسمعني، أحب أن أكتب لك وكأنك تقرأ، أحب أن أعيش حياة أنت فيها وكأنك موجود.

ليت الزمان يعود يومًا لأحتضنك، ليت الزمان يعود يومًا لأقبلك، ليت الزمان يعود يومًا لأسرق من الحياة ذكريات أكثر معك، فلا يعينني على الحياة سوى ما تركته لي من ذكريات, فيا من رحلت إلى الوطن البعيد عنّا، أدعو الله دائمًا أن يرحمك رحمة واسعة تطمئن بها نفسك وتقر بها عينك، وأن يسكنك الجنة ويُطعمك من ثمارها ويلهم قلبي الصبر، أمّا النسيان فلا أريده حتى وإن كان له في الحياة وجود، فأرغب بأن تظل عالق بذاكرتي إلى النهاية..”فالقلب يتعلق ولا يعرف قانونًا يدعى الوقت”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق