مقالات
أخر الموضوعات

صورة زاهية

بقلم: رواء حسن

طفلة صغيرة تجلس على طاولة بها العديد من الألعاب، وحولها الكثير من البالونات وضحكتها المُشرقة تجعل من ينظر إليها يدق قلبه فرحاً وابتهاجاً، ومع تطاير ضفيرتها الصغيرة، وابتسامتها التي كشفت عن غمازاتها الساحرة هكذا بدت لى، وإذا بى أقترب منها فتخبرنا أمها بأنها مريضة، وأنها أحضرتها إلى النادي؛ لكي تلعب مع أقرانها فتشعر بالسعادة في محاولة منها لتخفيف آلم ابنتها.

لهم العديد من الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، وينشرون كل يوم صورة جديدة من بلد مختلف سفر وفسح وخروج وأزياء متنوعة وزيارات لأماكن أكثر من رائعة ومناظر خلابة تسحر العيون، وجمال الطبيعة يجعل القلب في حالة عدم استقرار ما بين انقباض وانبساط مستمر؛ هكذا يبدوا لنا مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) من الوهلة الأولى وإذا ما نظرت بدقة فترى صورة غير مكتملة فكلٌ منا يوجد لديه ما يعكر صفوه، ويُنغص عليه حياته، فربما يشعر هؤلاء بالوحدة فلا يوجد حولهم من يشاركهم فرحتهم وسعادتهم وحزنهم وانكساراتهم، أو لربما لديهم ما يعانون منه حقاً؛ فيرون في وسائل التواصل الاجتماعى وسيلة للترفية عما يواجهونه.

مواقف عديدة تمُر بنا دون النظر من خلال الصورة الكاملة لها؛ فمثلا جملة “هى إزاي تخينة كده ما تحاول تخس شوية” كم مرة سمعنا هذه الجملة تُقال على أحد ممن يعانون من السمنة، أو لربما سمعنا هذه الجملة مُوجه إلينا، وكم من انتقادات توجهت إلى هذا الشخص ممن حوله، وما إذا نظرت عن قرب، فتعرف يعانى من شيء ما يمنعه عن إتباع نظام صحي، أو لربما يعاني من مرضٍ ما تسبب فى سمنته، أو لديه مشكلات لا تعلمها أنت، هو وحده يعلمها فلا حاجة له بكلماتك السخيفة وحُكمك المسبق عليه.

فكم من المواقف والظروف والأحكام المسبقة التي صدرنها وحكمنا بها على أُناس لا نعرف باطنهم وما يخفوه عنا؛ فأصبحنا مجتمع إستهلاك بامتياز، ينظر إلى مظاهر الأشياء لا إلى الكيفية، والوظيفة الحقيقية لها، نسعى إلى التقليد والمقارنة بما هو موجود وظاهر لنا، سواء من حولنا أو على وسائل التواصل الاجتماعى، فنسعى إلى أن نمتلك أشياء ذات رفاهية، ونتبع ما يسمى بالتريند في كل شيء سواء فى الديكور الخاص بمنازلنا، أو لون وماركة العربية وموديلها، أو نوع الهاتف، أو ربما وصل الأمر إلى الأماكن الخاصة بالمصايف التي نذهب إليها.

أصبحنا نسعى إلى تحقيق رفاهيات زائدة عن حاجاتنا وإمكانياتنا، فنسعى للسفر والمصيف فى الخارج؛ فنحمل أنفسنا عبئاً كبيراً وجهداً مضاعفاً، فنعمل في وظيفة أو اثنين فأصاب الخلل مشاعرنا، وأصبحت مُستهلكة وأصبحنا ماديين لا يرضينا سوى ما نراه على شاشة هواتفنا، وما يعرضه لنا الإنستجرام وغيره من وسائل التواصل، فلا نكتفي بعمل عيد ميلاد يحضره الأسرة والأصدقاء، بل نبالغ في عمل حفلة كبيرة في مكان غالي الثمن، وقد يصل البعض إلى حجز قاعة مُخصصة للأفراح ليقيم فيها عيد ميلاد!! فضاعت مشاعرنا الصادقة والحميمية بيننا، وبيتنا دائمًا في حالة مقارنة ما بين الذى نملك والذى نراه من حولنا، ومقارنة بين إمكانياتنا وقدراتنا المالية، وبين المتطلبات الزائدة والعبء الذي فرضه علينا عدم رضانا بما لدينا، وفرضته علينا وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهير السوشيال ميديا.

وإني أحب أن أنوه عن شيءٍ هام، فإني لا أعترض اذا كنت تملك الرفاهية المادية والقدرة المالية أن تقوم بما تحب ويفرحك وتُسعد من حولك، ولكن كثيراً ما اتعجب بأن من يقوم بتلك التصرفات هم من الطبقة المتوسطة، فتضيف عبء عليها ليس لشيء إلا للتقليد الأعمى لما نراه.

فأصبحنا بحاجة إلى أن نُعيد النظر في كل شيء من حولنا، وننظر من خلال ميكروسكوب؛ لنرى الصورة زاهية وواضحة أكثر دون أُطر وبراويز، نرى كافة الزوايا والجوانب بشكل أعمق مما ظاهر لنا، فندرك إن لكل شيء أوجه عديدة، وأبعاد كثيرة فيعُذر كل منا الآخر، ويلتمس له ألف عذراً وألف خاطر، فلا نحكم على أحد من خلال ما يظهر لنا من صور أو نعم هو فيها، فهو لم يفصح عن آلمه وما الذى بداخله وما الذى يعانيه حقاً، ولربما لطف الله به وأعطاه من القوة والقدرة على تجاوزه، فكل منا لديه قصته الخاصة وآلمه الخاص الذى لا يعرفه إلا من عايشه أو مر بمثله، وحتى إن كان مر بمثله فكل منا له ظروفه الخاصة، وقدرة على تجاوز الأشياء بشكل مختلف ومتغير عن الآخر، وإنى لأتذكر مقولة سيدنا عمر بن الخطاب: “لو عُرضت على الناس الأقدار لأختار كل منا القدر الذي اختاره الله له”.

فلا حاجة لنا في النظر على ما يفعله الآخرين وما يقومون به، ولا ننظر إلى المظاهر؛ فهى خداعة ولا تجعلنا نرى الصورة الكاملة، فكلنا نُبين أفضل ما لدينا، أما عما يجول في داخلنا لا يعلمه أحد، فهكذا العين  تغلق عندما تأخذ إشاره من العقل بأن هذا الأمر مدهش ومُفاجىء، فيكون السبب إما من شدة الفرح أو من شدة الخوف والحزن؛ لذا لا تحكم على أحد وأنظر إلى الصورة الزاهية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. فلا حاجة لنا في النظر على ما يفعله الآخرين وما يقومون به، ولا ننظر إلى المظاهر؛ فهى خداعة ولا تجعلنا نرى الصورة الكاملة، فكلنا نُبين أفضل ما لدينا، أما عما يجول في داخلنا لا يعلمه أحد،
    خاتمه رائعه لمقال رائع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق