مقالات
أخر الموضوعات

بعد إعدام “فلانتين”.. لا تقتلوا الحب!

بقلم: جمال حسين

العالم كله يحتفل بعيد الحُبِ فى 14 فبراير من كل عامٍ، بينما جعلنا نحن -المصريين- للحب عيدين؛ بعد أن أضفنا عيدًا آخر فى 4 نوفمبر من كل عامٍ، فهل تسبَّب ذلك فى زيادة مشاعر الحُبِ والتسامح والمودة بيننا؟، وهل تسبَّب ذلك فى تضاؤل مشاعر الحقدِ والكراهيةِ؟،

الواقع يقول لا، لم تزد مشاعر الحُبِ والأخوَّة، بل طغت الأنانية والكراهية على المشاعر الإنسانيَّة وصلة الرحم، التي كانت السمة الطاغية لدى القطاع الأكبر من أبناء الشعب المصري، والتى كنَّا نلمسها ونعيشها فى القرية والمدينة والحارة.. كان الجارُ خيرَ سندٍ لجاره، وكانت اللُمة العائليَّة لسان حال المجتمع، والصداقة عنوان العِشرة الحقيقيةً، قبل أن يخترقها الزيفُ والنفاقُ.. الكل كانوا يتمنون الخيرَ والسعادةَ للجميع.. نحن نُريد الحُبَ بمعناه الواسع الشامل؛ بدءًا من حُب الله، وحُب الوطن، وحُب الأسرة، وحُب الزوجة والأبناء.. حُب الجيران والأصدقاء، وحُب الناس جميعًا.. نُريد الحُبَ الذى يُعيد إلينا كل فضائلنا ويبعث فينا كل قِيمنا.. حبٌ يُعيد صفاتنا الحميدة، التي كانت من أبرز سماتنا؛ حيث المودة والشهامة والنخوة والمروءة والإقدام.

تابعتُ أمس احتفالات العالم بـ”عيد الحُب” أو “الفلانتين”.. شاهدتُ على الشاشاتِ كيف انتعشت تجارة الورود والشوكولاتة وبطاقات المعايدة وغيرها من الهدايا، وبينما نحن -المصريين- هكذا، احتفل كثيرُ من شبابنا بعيد الحبِ بمزيدٍ من السخرية والسخافة و”القلش”، بدلًا من أن نُعبِّر عن حُبنا لبعضنا؛ عبر رسائل المعايدات الإلكترونيَّة، أو المُهاتفات التليفونة، بل تحوَّلت صفحات التواصل الاجتماعى إلى مادةٍ خصبةٍ للسخريةِ والفكاهةِ!.

وجَّه شابٌ رسالةً سخيفةً إلى الأمهات، قائلاً:”يا حاجة خلي بالك من بنتك اللي هتنزل النهاردة الساعة سبعة لابسة أحمر، وبتقولك رايحة عيد ميلاد مروة صاحبتها.. النهاردة الفلانتين”.. وآخر ادَّعى أنه من مباحث الفلانتين، وألقى القبضَ على شابٍ وفتاةٍ يرتديان الملابس الحمراء، وصرخ بصوت الشاويش عطية:”كل واحد يفلتن فى بيتهم”!، وثالثٌ:”الفلانتين مش لشراء الهدايا، لكن للكلام الحلو اللى ما حدش بيقوله”، وقالت فتاة:”لا أعرفه ولا يعرفنى”.

قد لا يعرف الكثيرون أن “فلانتين”، أفلاطون الحب، كان أول شهيدٍ للحُبِ، وتم تنفيذ حكم الإعدام فيه.. ويرجع تاريخ عيد الحُبِ، الذى يحتفل به العالم فى الرابع عشر من فبراير من كل عامٍ، إلى عام 296 من عصر الاضطهادات التى كانت تُواجه الكنيسة فى أوروبا.. وقتها أصدر القائد “أكلوديوس” قرارًا بمنع زواجٍ الجنود؛ بحجة أنه يُشغلهم عن الحروبِ التي كان يخوضها، لكن القديس”فلانتين” كان يُزوِّج العُشاق بعقد قرانهم سرًا، فاكتشفت السلطات أمره، وغضب القائد “القوطي” وقام بتعذيبه وسجنه، لكن “فلانتين” لم ييأس، واستمرَّ فى منح سر الزواج للمُقدمين عليه من وراء القضبان، وكانوا يرمون له الورود الحمراء من خلفها؛ فرحًا بزواجهم ومنحهم السرَ.. وعقابًا له على عِصيانه الأوامر، قام القائد “القوطي” بإعدامه وقطع رأسه، ومنذ ذلك التاريخ يتم الاحتفال بعيد انتصار الحُب.

قد لا يعرف الكثيرون أن سبب اختيار المصريين لتاريخ 4 نوفمبر عيدًا ثانيًا للحُبِ فى مصر، يعود إلى مقالةٍ للكاتب الراحل “مصطفى أمين”، نشرها عام 1974 بجريدة الأخبار، تناول فيها قصةً واقعيةً عاشها بنفسه، وهى التى اتخذ الكثيرون لها عنوان “الجنازة التى تحوَّلت إلى عيدٍ”.. قال “مصطفى أمين” “إنه كان يسير بأحد شوارع حي السيدة زينب، بوسط القاهرة، وشاهد تشييع جنازةٍ، وهاله أن الجنازة التي كانت لرجلٍ، لا يسير فيها سوى ثلاثة أشخاصٍ، بخلاف أربعةٍ يحملون النعشَ.. تعجَّب “أمين” من وجود ثلاثة رجالٍ فقط يسيرون خلف الجنازة؛ لأن المعروف عن المصريين أنهم يُشاركون عادةً فى الجنازات بأعدادٍ غفيرةٍ حتى ولو كان الميت لا يعرفه أحدٌ، وعندما سأل عن السببِ، أخبره الجيرانُ بأن الميتَ كان غير محبوبٍ من أهل المنطقة، ومن هنا اختار “مصطفى أمين” هذا التاريخَ ليكون عيدًا للحب؛ بهدف نشر السلامِ والمودةِ بين أفراد المجتمع، وليكون أيضًا نافذة أملٍ للجميع؛ للتخلُّص من همومهم.

يا سادة، الحُب ليس بحاجة لعيدٍ، ولا يومٍ فى السنة لإحيائه.. الحُب يحتاج أن نُحب بعضنا طوال العام، وأن نُنقِّي نفوسنا من مشاعر الغلِّ والحقدِ والكراهيةِ.. نحتاج عيدًا للوفاءِ والإخلاصِ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق