حوارات
أخر الموضوعات

بالعزيمة والإيمان بالله.. تتحول المحنة إلى منحة

أول طبيبة صماء في العالم: سمعت نداء (ماما) من أبنائي بعد 33 عام من الصم

حوار: ولاء إبراهيم

تحيط بنا نماذج مليئة بالعزيمة والمثابرة، وقبل ذلك الرضا بإرادة الله –عزوجل-، تلك النماذج التي عندما ننظر إلي رحلة كفاحهم نجد أنهم أثبتوا للجميع أن العجز ليس في إعاقة الجسد بعضو أو بفقد إحدي حواس الإنسان، ومن بين تلك النماذج هي: الدكتورة “فادية عبدالجواد علي” استشارى الأمراض الجلدية والتجميل، ورئيس مجلس إدارة جمعية السمع “صوت الحياة”، فالتقينا بالدكتورة فادية لأن رحلتها تمد أي إنسان بالثقة الدائمة برحمة الله الواسعة، فهي أول طبيبة فى العالم تلتحق وتتخرج من كلية الطب، وهى صماء تماماً، ثم يمن الله عليها بنعمة السمع باستعادته بعمليتىً زرع قوقعة بعد ٤١ عاماً من الصم الكامل.. لذا نتحاور معها فى السطور التالية.

  • ما هي التحديات التي واجهتك للالتحاق بكلية الطب في ظل فقد السمع؟

لم أجد أدنى صعوبة؛ لأني كنت متفوقة جدًا دراسيًا، وكنت الأولى على مدرستى فى الشهادة الإعدادية والثانوية بعد أن فقدت السمع تماماً، وأنا فى الصف السادس الإبتدائى إثر حُمى شوكية، وعلمت نفسى اللغة الإنجليزية والفرنسية، وكذلك علمت نفسى قراءة حركة الشفاه التى اعتمدت عليها فى دراستى، وحياتي، وعملى لأكثر من ٤١ عاماً، وحصلت على ٩٨٪ فى الشهادة الثانوية؛ لذلك لم أجد صعوبة فى الالتحاق بالكلية لكن الصعوبة كانت فى الدراسة نفسها، وعدم مساندة الأساتذة فى الكلية، وعدم تفهمهم لظروفى باستثناء الدكتور”طلعت الديب” أستاذ الباثولوجى فى طب عين شمس، والوحيد الذى تفهمنى، ووقف بجانبى.

  • كيف كنتِ تمارسين عملك كطبيبة أمراض جلدية من حيث التواصل مع المرضى في شكواهم؟  

مارست عملى داخل وخارج مصر فى بلاد عربية، وإفريقية بطريقة طبيعية تماماً معتمدة على قراءة حركة الشفاه التى أتقنتها بصورة ١٠٠٪، ولم يحدث أبدًا أن لاحظ مرضاي أى اختلاف، حتى إننى بعد زرع القًوقعة، واستعادة السمع كان مرضاي يندهشون من الخبر؛ لأنى كنت طبيعية جدًا معهم، وكنت أعشق عملي، وأتقنه تماماً.

  • ما هي الصعوبات التي واجهتك كأم؟

لدي ولدان، وبنتان أكرمنى الله بهم، وبالطبع كانت هناك بعض الصعوبات؛ حيث كنت أحتاج أن يكونوا أمامى مباشرة لأقرأ حركة شفاههم، وأعرف مايقولون، وكنت أمًّا حازمة نوعًا ما، وربيتهم على القيم، والتفوق، وبذل الجهد، واستغلال قدراتهم وإرادتهم، وبفضل الله ابنتى الكبرى جهاد ماجيستير اقتصاد، ومديرة قسم فى بنك ،CIB ثم مديرة قسم فى بنك الإمارات الوطنى بأبي ظبى، وهى حاليًا فى أمريكا؛ حيث تم اختيارها للتكريم فى جامعة جورجيا وشيكاغو بترشيح من منظمة EFE كنموذج لفتاة من الدول النامية استطاعت بالتعليم أن تصل لمنصب رفيع، وهى دون الثلاثين من عمرها، وابنتى الصغرى الدكتورة سندس صيدلانية تخرجت بمرتبة شرف، وابني محمود مهندس كمبيوتر، ويملك ويدير شركة كوركونسبت للبرمجيات، وابني الأصغر محمد بكالوريوس إدارة أعمال، ولدي٥ أحفاد، هم قرة عيني، وحياتى تتجدد بهم.

الدكتورة فادية مع أسرتها
  • من كان يدعمك طوال رحلتك العلمية، وفي رحلتك نحو استرداد سمعك؟

في ذات يوم جاءت لى ابنتي الكبرى جهاد، وطلبت منى إجراء عملية القًوقعة، ويومها اندهشت، وتساءلت لماذا؟ فكانت إجابتها بدموعها الغزيرة أن أمنية حياتها أن تستطيع التواصل معى دون أن تكون أمامى مباشرة، وأن تستطيع أن تنادينى من حجرة خارجية، وأن أسمع صوتها، وبالفعل أجريت العملية الأولى قبل زفاف ابنتى جهاد بشهرين فى فبراير٢٠٠٦، واستعدت السمع فى إحدى الأذنين بعد ٣٣ عاما من الصم التام، ولأول مرة فى حياتى أسمع كلمة ماما من أولادي، وكانوا شبابًا كبارًا، ولأول مرة أُلبي نداء ماما، وهو يأتيني من خارج الحجرة دون أن يكونوا أمام عيني؛ لأقرأ حركة شفاههم، ولا توجد أى كلمة فى أى لغة تستطيع وصف شعوري بعد استعادة السمع الذى كان بمثابة استعادة للحياة بمعنى الكلمة، وليس استعادة السمع فقط.. وأجريت العملية الثانية عام ٢٠١٤، وبذلك استعدت السمع فى الأذنين بفضل الله بعد41 عاماً من الصم، وكان والدى -رحمه الله- أكبر داعم لى طوال رحلتى فى عالم الصمت والصم، كان يؤكد لى أننى لست فقط مثل الأخرين، بل أفضل منهم، وأن الله سبحانه أخذ منى شيئا صغيرًا، وأعطانى فى مقابله أشياء، وأشياء، وإنه سبحانه ما أخذ إلا ليُعطي، وعطاؤه معي كان فى غاية السخاء، وأيضًا والدتى وأخوتى كانوا مصدر دعم، وأستاذي فى كلية الطب الدكتور طلعت الديب، وهو ملاكى الحارس، ومثلي الأعلى، والمثل الأعلى لكل أستاذ جامعي.

الدكتورة فادية مع الدكتور “طايع الديب”
  • صفي لنا إحساسك في اللحظة التي أعاد الله فيها لكِ حاسة السمع بعد 33عام؟

لم أشعر أبدًا أنى أقل من أحد على الإطلاق، بل العكس كنت متأقلمة دومًا، ومشغولة بدراستي وعملي وبيتي وأولادي، ومشغولة دومًا بتطوير ذاتي، حتى إنى بالفعل نسيت أني صماء وانطلقت أنهل من كل مصادر العلم والمعرفة، وأطور ذاتى، أما بعد استعادة السمع، وكأنني كنت أعيش فى عالم من الأبيض والأسود، ثم تلونت حياتي بكل ألوان السعادة، والبهجة، والروعة.

  • ما هو نشاطاتك وأحلامك في ظل قيادتك لجمعية الصم؟

بعد استعادة السمع كاملاً، وأيضا بناء على طلب، وإلحاح ابنتى الكبرى جهاد؛ لكي أخرج بقصتى للناس بعد عزوفي عن الإعلام طوال حياتي، أردت توصيل رسالة أمل للناس، وأن هناك علاجًا للصم، وليس هناك مستحيل، أردت أن يعيش كل فاقد سمع تلك اللحظة الباهرة التى أكرمنى الله بها، وهى لحظة استعادة السمع، والخروج من عالم الصمت الكئيب؛ ولذلك عرفانا وامتنانا قمت بتأسيس (جمعية السمع صوت الحياة)، والتى أتشرف برئاسة مجلس إدارتها؛ لتكون صوتا، ونبضا لكل فاقد أو ضعيف سمع فى مصرنا الغالية.

تقدمت بمذكرة، ومشروع إلى مجلس الوزراء، وإلى وزارة التضامن لعلاج جذري لمشكلة التأهيل ما بعد الزرع للأطفال، ولمشكلة العدد الرهيب من فاقدي وضعاف السمع فى مصر، بحيث يتم القضاء على هذه المشكلة بحلول عام ٢٠٣٠، ولإزالة الوصمة التى لاتليق بمصرنا الغالية؛ حيث أكبر نسبة من الصم، وضعاف السمع، وطالبت بحملة قومية مدعومة من الدولة للقضاء على الصم فى مصر، مثل: الحملة القومية الناجحة للقضاء على الفيروسات الكبدية، والتى أبهرت العالم وأثبتت قدرة المصريين. 

وأود أن أشكر السيد الرئيس الذى استجاب لأحد بنود مذكرتي بالمسح السمعي للمواليد الجدد، وهى أهم خطوة فى طريق الحل الجذري لمشكلة الصمم فى مصر, وآمل أن يتم الاستجابة لباقى بنود المذكرة، ومبادرة (السمع حياة، فلنحيا)، والتى قدمتها لمجلس الوزراء، ولوزارة التضامن، وأن يتم دعم (جمعية السمع صوت الحياة)؛ لتحقيق شعارها، وهو (السمع، واستمرار السمع لكل المصريين).

  • ما هي الرسالة التي ترغبي في إرسالها إلى ذوي الهمم عمومًا؟

أقول لهم إن كل منكم قادر على أن يكون مايريد، وأن يحقق حلمه الخاص، وأن يصنع معجزته الخاصة بنفسه، وأن يكون بطلا، فلا يوجد مستحيل، والإعاقة ليست فقدان عين أو يد أو ساق أو بصر أو سمع، بل الإعاقة هى إعاقة الروح، والضمير، والمجتمع المعيق، ومادام فى الصدر نفس يتردد فعلينا بذل الجهد، والثقة، واليقين فى قدراتنا، وفيما منحنا الله من ملكات، وإمكانيات تفوق ماينقصنا؛ فلايوجد أحد كامل.

وبداخلنا جميعاً طاقة هائلة، ونور إلهى، وأسد مربوط ينتظر الفرصة؛ لينطلق وقد تكون الصعوبات والمحن هى المحفز لهذا الأسد؛ لينطلق وبذلك تكون منحة، وليست محنة لأنها تكون مصدرًا للطاقة الإيجابية، وتحقيق مايظنه البعض معجزات.

وكان شعاري فى الحياة، ولايزال ( انطلق نحو القمر .. فحتى لو أخطاته، فسوف تهبط بين النجوم.. وماأجمل الحياة، وأنت تحلق نحو القمر أو تهبط بين النجوم), فانطلقوا يا أهل الهمة ..انطلقوا، واكتشفوا طاقتكم الداخلية الهائلة، وأحسنوا توظيفها، وبإذن الله سوف تصلون لكل ماتهفو إليه أنفسكم.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق